الخميس، 28 أغسطس 2008

بيئة الأدب المغربي

الباب الأول :
بيئة الادب المغربي :
1 ــ فتح العرب للمغرب :
تم فتح العرب للمغرب في عهد يزيد بن معاوية سنة 62 هـ / 681 م على يد عقبة ابن نافع ، ففتحت طنجة أولا ، ثم سارت الجيوش العربية في بلاد البربر من بلد إلى بلد حتى بلغت المحيط الأطلنطي ، فانتشرت الفوضي في البلاد ، و عمت الفتن ، إلى أن كان عهد الوليد بن عبد المالك ، فقدم موسى بن نصير سنة 87 هـ واليا على افريقية ، و قبض على الأمور بيد من حديد و رفع لواء النظام ، و لما استتب له الأمر فكر في فتح الأندلس فكان من أمرها ما كان .
2 ــ استعراب البربر :
اعتنق سكان المغرب الإسلام ، و قد دعاهم ذلك إلى تعلم لغة القرآن ، و لما كان عهد حسان بن النعمان الغساني ، والي افريقية من قبل عبد الكك بن مروان أصبحت اللغة العربية لغة البلاد الرسمية ، زد على ذلك ان عمر بن عبد العزيز أنفذ إلى افريقية عشرة فقهاء و القراء للغرض نفسه ، و هكذا انتشرت اللغة العربية انتشارا واسعا فيما بين شعوب البربر حتة إن طارق بن زياد استطاع أن يلقي فيها ، عند فتح الأندلس ، خطابا بليغ الكلام ، متين التركيب ، و هكذا تقلص ظل اللغة البربرية شيئا فشيئا و كانت السيادة للعربية .
3 ــ الحالة السياسية و الإجتماعية و الثقافية :
أ ـــ عهد الفتوح : مرت على المغرب فترة من الزمن طويلة بعد دخول العرب إليه و هو في حالة سيئة من الوجهة السياسية و العلمية و الأدبية ، و ذلك لتعدد الفتن ، و لأن المغرب كان على جانب عظيم من الإنحطاط و الجهل .
ب ـــ عهد النهضة المغربية ( عهد الرابطين و الموحدين ) :
1 ــ ازدهار شامل : لما قامت دولة المرابطين مه عبد الله بن ياسين و امتدت أطرافها مع يوسف بن تاشفين الذي ضم أطراف المغرب ، و أنقد الأندلس من يد ألفونس السادس و قد كاد يستولي عليها ، و قرب ما بين أهل الأندلس و المغرب في ظل دولة واحدة ، كان لإحتكاك المغرب بالأندلس أثر فعال في نهضة شعوب المغرب ، فهامت بحب المعرف و الفنون ، و أصبحت مراكش التي بناها يوشف بن تاشفين
( 454 هــ ) حاضرة المغرب إذ ذاك ، و أصبح بلاطها منتدى الشعراء و الأدباء و الحكماء ، و دبت الحمية في الصدور لارتشاف مناهل العلم و الثقافة ، و كانت الحركة مباركة و إن لم تتسع آفاقها ، و مثمرة و إن لم يطل عمر الدولة القائمة عليها .
و ما إن قامت دولة الموحدين حتي تزعم المهدي بن تومرت الحركة الأدبية في المغرب العربي و هو الذي شب على طلب العلم و جد في تحصيله ، إلا أن العلماء اجتمعوا على مناهضته ، فلما يئس من إصلاحهم و مجئ الخير على أيديهم و جه همه إلى الطبقة العامة من الشعب و أخذ يدعوهم إلى الرشد ، و يعلمهم أمور الدين و يسعى في تأديبهم ، و لكنه لم ير نتيجة مسعاه و لم يفرح بالإنتصار على خصومه إذ عاجلته المنية و هو شاب في مقتبل العمر ، فخلفه رفيقه عبد المومن بن علي الكومي الذي أحاط الأمة بسياج الحكمة و التدبير ، و حقق أملها في النهوض بمواصلة السعي و العمل ، و سرعان ما دانت له البلاد بعد أن قوض دعائم الولة المرابطية ، و هكذا انتقل الحكم إلى الدولة الموحدية و قامت معها حركة تجديد و إنشاء و تعظيم في جميع مرافق الدولة و مصالح الأمة ، و قد عادت تلك الثورة الإجتماعية على المغرب العربي بالفائدة المحسوسة في حقل العلم و الأدب ، إذ نبهت الأفكار من الخمول ، و نشطت الهمم من الخمود ، مما ساعد تلك النهضة الثقافية أن الموحدين اهتموا شديد الإهتمام للترجمة و نقل الكتب ، و شجعوا العلوم ماديا و أدبيا ، و أنشأوا المدارس و المعاهد و خزائن الكتب ، و جعلوا التعليم إجباريا و استقدموا من الخارج كبار العلماء لنشر المعرف ، و رفعوا لواء الأمن و الحرية في البلاد ، و لم يقتصر عمل الموحديد على تشجيع العلوم الدينية فحسب ، بل تعداها إلى العلوم الأدبية و اللغوية و العلوم الحكمية التي انتشرت انتشارا عظيما لم تبلغه في أي عصر آخر ، حتى عد هذا العصر عصرها الذهبي في المغرب ، و قد عنيت الدولة الموحدية أيضا بعلوم الكمياء و التنجيم و الحساب و الجبر و الهندسة و التاريخ و الجغرافية .
و قد امتاز الأدب في عهد الموحدين ببساطته و خلوه من الزخرف و الصنعة ، و خلوه من السفاسف الشائعة في الأدب العربي لذاك العهد ، كما امتاز بتأثر بالطابع الديني الذي كانت عليه الدولة الموحدية .
2 ـــ علوم مختلفة : و لما تداعت أركان دولة الموحدين و تقوضت دعائمها و دب إلى جسمها الإنحلال عاجلها بنو مرين ــ و هو أعراب نزحوا من الصحراء إلى المغرب ــ و أجهزوا عليها و استولوا على البلاد ، و قد واصلت الحركة العلمية سيرها في عهدهم و شجعها أمراؤهم تشجيعا قويا ، فنزعت العلوم الشرعية منزع التبسط و التفريع ، و نبع عدد كبير من الفقهاء في هذا العصر ، و بلغت علوم اللغة و الأدب أوجها فاشتهر إذ ذاك ابن آجروم في النحو ، و ابن هانئ في اللغة ، و ابن أبي زرع و ابن خلدون في التاريخ ، و ابن بطوطة في الرحلات ، و لئن خفت صوت الفلاسفة فقد ازدهرت علوم الرياضياتو الطب و الكيمياء و الهندسة و الهيئة و ما إلى ذلك ، و اشتهر ابن البناء العدوي في الفلك و الرياضيات و أبو الحسن المراكشي في الطب ، و أبو العباس الجزنائي في الكيمياء ، و اشتهر غيرهم كثيرون و كلهم من أصل مغربي ، و قد رفعوا اسم بلادهم إلى الذروة و كانوا من أركان العلم في العالم ، أما الأدب فقد بلغ في هذا العصر كماله (( فتخلص من سائر التأثيرات الأجنبية عن النفس المغربية ، و شق لنفسه طريقا نحو الغاية المقصودة ، و هي سد حاجة تلك النفس الظامئة إلى حياة أدبية حرة تتمثل فيها عواطفها و ميولها و سجاياها و مزاياها مصورة بصورة طبق الأصل لا رثاء فيها و لا تصنع و لا ادعاء و لا تقليدا ، فبلغ تلك الغاية و أوفى عليها بمزيد التفنن و الإبداع ، و لاسيما في الشعر الذي حمل الطابع المغربي منذ هذا العصر ، فتجد الحقيقة فيه تسبق الخيال ، و الطبع يغلب التصنع ، و القصد إلى الوضوح أكثر من التعمق ، و الرقة و الجزالة و السهولة في غير ضعف و لا غرابة و لا فسولة ، و يكفي أن هذا العصر نبغ ذلك الشاعر الذي يحق أن يقال عنه إنه شاعر المغرب الأكبر ، و نعني به (( مالك بن المرحل الذي طبقت شهرته العالم العربي رغم ما مني به ادباء المغرب من خمول الذكر ، و الذي لم يسع ابن خلدون إلا أن يعترف بشاعريته على ما علم من تحفظه الشديد )) .
3 ـــ انهيار أدبي ثم نهضة مباركة : و قد أخذت الحركة الأدبية تنحط شيئا فشيئا بعد ذلك العهد ، أي عهد السعديين و عهد العلويين إلى أن كادت جذوتها تنطفئ ، و ها هي بلاد المغرب تعود اليوم إلى نهضتها الأولى و تقبل على العلم بشغف ، و ترفع لواء المعرفة عاليا ، و تريد أن تجدد الماضي و ترجع إلى مركزها المرموق في العلم و الأدب .

ليست هناك تعليقات: