الجمعة، 29 أغسطس 2008

ابن خلدون ( 732 ــ 808 هـ / 1332 ــ1406 م )

ابن خلدون :

تاريخه :

هو عبد الرحمان بن محمد بن خلدون الحضرمي ، ولد في تونس سنة 432 هـ / 1332 م ، و نشأ على حب العلم و تحصيل المعارف ، و قد اتصل بعلماء عصره من مثل عبد المهيمن (( إمام المحدثين و النحاة بالمغرب )) و ابراهيم الآبلي (( شيخ العلوم العقلية )) ، و لازم عبد المهيمن و أخذ عنه ، (( سماعا و إجازة )) ، الأمهات الست ، و كتاب الموطأ للإمام مالك ، و كتاب السير لابن إسحق ، و كتاب ابن صلاح في الحديث ، و لازم الآبلي عدة سنوات ، و أخذ عنه العلوم الرياضية و المنطق ، و سائر الفنون الحكمية ، ثم استدعاه الوزير ابن (( تافراكين )) إلى (( كتابة العلامة ))
عن سلطانه إبي إسحق ، و كانت مهمة كاتب العلامة (( وضع الحمد لله و الشكر لله بالقلم الغليظ مما بين البسملة و ما بعدها ،من مخاطبه أو مرسوم )) ثم انتقل ابن خلدون إلى أبة ثم تبسة فقفصة حيث التقى بصاحب الزاب و سافر معه إلى بيسكرة ، ثم رحل إلى تلمسان حيث التقى بالسلطان أبي عنان و وزيره الحسن بن عمر ، ثم سافر إلى بجاية ثم إلى فاس حيث أقام بها ثمانية أعوام نظمه فيها السلطان أبو عنان (( في أهل مجلسه العلمي ، و ألزمه شهود الصلوات معه ، ثم استعمله في كتابته و التوقيع بين يديه )) ، و قد جرى إذ ذاك ما حمل السلطان أبا عنان على التنكر لابن خلدون و الأمر بسجنه ، فسجن سنتين ، و لما توفي أبو عنان خرج ابن خلدون من سجنه ، و انضم إلى السلطان أبي سالم و استعمله في كتابة سره و الترسيل عبه و الإنشاء لمخاطباته ، ثم ولاه (( خطة المظالم )) .
و في سنة 1362 م رحل ابن خلدون إلى الأندلس فنظمه السلطان فيها (( في علية اهل مجلسه ، و اختصه بالنجي في خلوته و المواكبة في ركوبه ، و المواكلة و المطايبة و الفكاهة في خلوات أنسه )) .
و في سنة 1365 م غادر ابن الأندلس إلى بجاية حيث ولاه السلطان محمد ابو عبد الله محمد ارفع مناصب الدولة أعني الحجابة أي (( الإستقلال بالدولة ، و الوساطة بين السلطان و بين أهل دولته ، لا يشاركه في ذلك أحد )) .
و في سنة 1366 م انتقل ابن خلدون إلى بيسكرة حيث أقام نحو ست سنوات و حيث اعتزل المناصب و راح يخدم هذا السلطان أو ذاك عن طريق استئلاف القبائل و استتباعها ، (( و لا نغالي إذا قلنا إنه أصبح بمثابة الملتزم و المورد لتلك القوى المسلحة : إنه كان يوجه العشائر إلى خدمة السلاطين الذين يشايعهم حتى إنه كان يصطحبها في بعض الأحيان )) ,
و لبث ابن خلدون يتقلب في البلاد من بلد إلى آخر حتى بلغ مصر سنة 1382 م و قد قضى فيها ما بقي من حياته ، و تولى فيها فيها مناصب التدريس و القضاء إلى ان توفي سنة 1406 م .
أدبه :
الكتاب الوحيد الذي وصل إلينا من مؤلفات ابن خلدون هو (( كتاب العبر ، و ديوان المبتدأ و الخبر ، في أيام العرب و العجم و البربر ، و من عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر )) و هو مرتب على مقدمة و ثلاثة كتب :
ـــ المقدمة : في فضل علم التاريخ و تحقيق مذاهبه ، و الإلمام بمغالط المؤرخين .
ـــ الكتاب الأول : في العمران و ذكر ما يعرض فيه من العوارض الذاتية من الملك و السلطان و الكسب و المعاش و الصنائع و العلوم و ما إلى ذلك من العلل و الأسباب .
ـــ الكتاب الثاني : في أخبار العرب و أجيالهم و دولهم منذ الخليفة إلى هذا العهد ، و فيةه الإلمام ببعض من عاصرهم من الأمم المشاهر و دولهم ، مثل النبط و السريانيين و الفرس و بني اسرائيل و القبط و اليونان و الروم و الترك و الإفرنجة .
ـــ الكتاب الثالث : في أخبار البربر ، و من إليهم من زناتة ، و ذكر اوليتهم و أجيالهم ، و ما كان لهم بديار المغرب خاصة من الملك و الدول .
ـــ و مما يجدر ذكره هنا أن الكتاب الذي يعرف الآن باسم (( مقدمة ابن خلدون دد هو في حقيقة الأمر المقدمة و الكتاب الأول من كتاب العبر .
تقلب ابن خلدون بين مختلف المناصب ، و رافق السلاطين في شتى منازعهم و أطوارهم ، و شهد أحوال الأمم
و الممالك ، و ضطرب مع السياسات خائضا عبابها ، متلونا بألوان هرمها و شبابها ، و سار مع الدسائس البلاطية مدا و جزرا ، ثم اعتزل الدنيا ، و خلا إلى قلعة ابن سلامة ، يدون زبدة ما مخضته في نفسه الأيام ، و نتيجة ما وصل إليه الفكر بالتأمل و الإعتبار ، فكان كتاب (( المقدمة )) الضخم الذي عرف به ابن خلدون ، و الذي جعله من رواد الفكر العالمي ، و كانت (( المقدمة )) صورة حية للحياة الإجتماعية في مختلف البيئات التي تقلب في الرجل ، و للعصر الذي انقضت فيه حياته ، و هو عصر ، كما رأينا ، قد حفل بالهزات التاريخية العنيفة في حقلي السياسة و الفكر ، و عمته الفوضى حتى سار في طريق القهقر فيما كانت اوروبا آخذة في تسلق معارج الرقي و الحضارة .
أراد ابن خلدون أن يدون تاريخ المغرب فقدم له بنظراته الإجتماعية و الفلسفية التي شغلت المقدمة و الجزء الأول من الكتاب الذي أضيف إلى المقدمة ، و قد سلخ ابن خلدون في كتابتها خمسة أشهر ، ثم عاد عليها بعد ذلك بالتهذيب و التنقيح و الزيادة ، و كان الداعي إلى وضعها انصرافه إلى كتابة التاريخ (( التي تقتضي الرجوع إلى مآخذ متعددة و معارف متنوعة و حسن نظر و تثبت ، و هذا كله لا يكون بمجرد النقل ، بل يضاف إلى النقل معرفة أصول العادة و قواعد السياسة ، و طبيعة العمران و الأحوال في المجتمع الإنساني )) لقد شعر ابن خلدون بنقص التاريخ كما كان يفهمه المؤرخون لعهده ، إذ كانوا يقتصرون فيه على سرد الوقائع و الحوادث و الأسماء ، فأراد أن يرتفع إلى ما نسميه اليوم باقوانين التاريخية ، و هكذا لم يكتف بالسرد و الأخبار ، بل أراد أن يتفهم و يعلل ، و أن يعير جميع الظاهرات الإجتماعية ما تستحقه من الأهمية.
و من هذه النظرة السريعة على ابن خلدون و مقدمته تتجلى لنا شخصية بارزة تقرن العمل الى الفكر ، لقد عاش عيشة اضطراب و مغامرة قل من عاشها ، و في نفسيته كثيرا من الطموح و الشجاعة و الأنفة و الإستقلال الفكري ، و الظاهر أنه في مغامراته لم يتراجع أكثر من مرة عن التغرير بحياته ، و لعل شدة جسارته كانت من عوامل إخفاقه .
و الموضوعية هي الصفة الرئيسية لمقدمته ، فابن خلدون يصف الأحداث و يحاول إيجاد القوانين التي تسيرها من غير أن يظهر ميوله و آراءه الخاصة ، إلا أنه يشتم من وراء هذه الموضوعية رائحة تشاؤم قد يكون نتيجة الإخفاق في تحقيق الآمال ، و قد يكون أيضا من تأثير نظرية القدر المحتوم الذي يسير الأحداث و الذي يجعل أن معرفة الأحداث و أسبابها غير كافية للعمل على تغيير سيرها .

ليست هناك تعليقات: