السبت، 30 أغسطس 2008

شيوع الشعر في الأندلس

شاع الشعر في الأندلس شيوعا واسعا جدا ، و انتشر في جميع الطبقات ، فزاوله الملوك و الوزراء ، و انشده القضاة و العلماء ، و قاله الأعمى و المتسول ، و الساعي المتجول ، و فاه به القائد في مقدمة الجيوش ، و الجندي في ميادين القتال ، حتى لتحسب أن الشعر في الأندلس لغة الحياة ، و ان الحياة شعر و ألحان ، و الذي يلفت النظر في الموضوع أن للرفيين في الشعر الأندلسي أعمق الأثر ، قال هنري بيريس : (( لم يكن عمل الفلاحة ليلف الحياة الريفية لفا كاملا ، و انسيابات خيال و إلهام ، و لن تخرج عن جادة الصواب إذا قلنا إن أعمق الشعر شخصية هو شعر الرجال و النساء الذين كانوا ألصق بالأرض ، و أقرب إلى الطبيعة ، فقد تسربت إلى شعرهم عذوبة المشاهد قسوتها ، و عندما انتقلوا إلى لين المدينة استطاعوا أن يعبروا عن أقوى الأفكار في أنضر الصور و أزهارها ألوانا ، فهم الذين أكسبوا الشعر الأندلسي تلك الميزة الريفية التي تصلها بأصدق ما كتبه اليونان و الرومان في موضوع الريف ... )) .

و قد بلغ انتشار الشعر ذروته منذ القرن الحادي عشر ، و كان ذلك فريدا في تاريخ العرب ، أضف إلى ذلك أن الشعر في المشرق انحصر ضمن نطاق الأرسطقراطية ، و أن عمل بشار و أبو نواس على إنزاله إلى الحيز الشعبي ، أما في الأندلس فكان الشعر شعبيا بكل ما في الكلمة من معنى ، و كان تنفس الحياة بكل ما في الكلمة من معنى ، و كان لغة الجميع ، (( فهو للعامل و الفلاح أنشودة الجمام بعد التعب ، و هو للكاتب و الوزير و الأمير انفلاتة من عبودية الهموم و المهام ، و هو للشعراء الرسميين وسيلة للتكسب و كسب لقمة العيش ، كما هو في الوقت نفسه مجال لانطلاق الفن ، و هو للجميع موضوع فخر و مباهات ، و مجال حر لا يضيق بوزير و لا أمير ، و الأندلسيون يميلون إليه لأنه شعر ، و لأنه كلام موزون ينطلق من الشفاه ألحانا و أنغاما ، لانه (( كلام مجنح )) و موسيقى قبل أن يكون خطابا .

ليست هناك تعليقات: