الخميس، 28 أغسطس 2008

حقيقة الأدب

تطور معنى الأدب :
ذهب علماء اللغة في معنى لفظة (( أدب )) مذاهب شتى ، فمنهم من قال إنه (( الظرف و حسن التناول )) و منهم من قال إنه (( عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع انواع الخطأ )) ، و يستفاذ من أقوالهم جميعا أنه خطة المحامد و سنة الفضيلة و الإستقامة ، و أن من تتبع تاريخ اللفظة عصرا بعد عصر وجد أن الجاهليين استعملوها بمعنى الخطة الأخلاقية و لاسيما تلك التي سار عليها السلف الصالح ، قال أعشى ميمون : (( جروا على أدب مني بلا نزق )) ، و استعملوها أيضا بمعنى التعليم كما يتضح من الحديث المشهور : (( أدبني فأحسن تأديبي )) ، و بعد ظهور الإسلام إلى أواخر العهد الأموي ظل للأدب هذا المجال المعنوي ، قال الحجاج في خطاب وجهه إلى أهل الكوفة : (( أسلم عليكم أمير المؤمنين فلم تردوا عليه شيئا ؟ أما و الله لأؤدبنكم غير هذا الأدب )) ، و في العهد العباسي حين بلغت الحضارة العربية أوجها امتد معنى الأدب تارة إلى مجمع المعرف البشرية ، و طورا إلى المنهج الذي يجب اتباعه في فن من الفنون أو عمل من الأعمال ، فقالوا : (( أدب الكتاب )) و (( أدب المجالسة )) و (( أدب الكسب )) ... قال كارلو نالينو : (( لا غرو أن لفظ الأدب عندهم أخذ يعدل عن معنى محض الأخلاق المحمودة ، الحاصلة من حسن تربية النفوس ، حتى صار عبارة عن كل ما وجب مراعاته و معرفته و التحلي به على من أراد مجالسة اللطفاء و الوجهاء ، و تعمد جميع أنواع التظرف في أعماله و أفكاره و حديثه )) ...
و خلاصة القول أن المراد بالأدب عند طبقات الناس ببغداد منذ ابتداء القرن الثالث (( الهجري )) إظهار الأخلاق المرضية للجلساء ، و الظرف و الأناقة في اللباس و الطعام و الشراب ، و سائر أحوال الحياة ، و الأنس و الفصاحة و عذوبة الكلام ، ثم حفظ الأبيات و النكت مع أخذ شئ من كل علم لتوشيه الحديث به ، و قد ميزوا بين الأديب و العالم فجعلوا (( الأديب من يأخذ من كل شئ أحسنه فيألفه ، و العالم من يقصد لفن من العلم فيعتلمه )) . ثم أنهم فرعوا من تلك المعاني معنى خالصا كان الأدب فيه جملة الفنون الكتابية المستظرفة ، و الأديب كل من أحسن العربية و تعاطى صناعتي النظم و النثر ببلاغة ، أما عهد النهضة فقد اشترك العرب في مفهوم الغربيين لمعنى الأدب ، و كان الأدب ذا معنييع : معنى عام و معنى خاص ، أما المعنى الخاص فهو (( عبارة عن جملة سبك في قالب ظريف ، وصيغ على نمط الإنشاء الأنيق من الكلام المنظوم و المنثور )) .

ليست هناك تعليقات: