الخميس، 4 سبتمبر 2008

ابن زيدون



ابن ريدون ( 394 ــ463 هــ / 1003 ـــ 1071 م )

تاريخه :

هو ابو الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون ، ولد بقرطبة في بيت شرف وفقه و أدب ، و نشأ مكبا على العلم و ارتشاف مناهل الثقافة ، و قد تخرج في ذلك على أبيه الفقيه الكبير ، و على صديق أبيه أبي العباس بن ذكوان عالم قرطبة الأول في عصره ، و تخرج في النحو و الأدب و اللغة على أبي بكر مسلم بن أحمد ، ثم تردد على علماء الجامعة الكبيرة في قرطبة ، و أخذ عنهم الشئ الكثير في مختلف نواحي الثقافة ، حتي اصبح بعد زمن قصير علما من أعلام الفكر و الأدب ، و في تلك الأثناء شبت الفتنة الكبرى التي انتهت بسقوط الأمويين و قيام دولة بني جهور ، فتقرب ابن زيدون من مؤسسها ابن الحزم بن جهور فلقبه (( بذي الوزارتين )) ثم اتصل بالخليفة المستكفي و علق بنته (( ولادة )) و هام في حبها إلى حد بعيد جدا ، و كان المستكفي ـــ على حد قول ابن حيان ـــ (( مجبولا عن الجهالة )) ، عاطلا من كل خلة تدل على فضيلة ... معروفا بالتخلف و الركاكة ، مشتهرا بالشرب و البطالة ، سقيم السر و العلانية ، اسير الشهوة ، عاهر الخلوة ، و كانت ابنته ولادة من أهل الأدب و الشعر و الموسيقى ، و لما توفي والدها سنة 1025 م فتحت بيتها للأدباء و الشعراء ، قال ابن بسام (( و كان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار المصر ، و فناؤها ملعبا لجياد النظم و النثر ، يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها ، و يتهالك أفراد الشعراء و الكتاب على حلاوة عشرتها ، إلى سهولة حجابها ، و كثرة منتابها ... على أنها ـــ سمه الله لها و تغمد زللها ــــ اطرحت التحصيل ، و أوجدت إلى القول فيها السبيل ، بقلة مبالاتها ، و مجاراتها بلذتها )) .

علق ابن زيدون ولادة و علقته ، و قضيا ردحا من الزمن في عيشة استهتار و مجون إلى أن كان يوم تبدلت فيه الأحوال و تبدلت فيه ولادة لعشيقها ، و قد يكون السبب في ذلك أن ابن زيدون وقع في هوى إحدى جواري ولادة أو أنه انتقد أحد ابياتها الشعرية ، فمالت عنه لذلك كل الميل ، و وقعت في هوى الوزير أبي عامر بن عبدوس ، و راح لبن زيدون يتوسل بغير جدوى ، و ينظم الشعر مهددا ابن عبدوس ، شاكيا إلى ولادة تباريح الهوى ، و كتب إلى ابن عبدوس رسالى عرفت (( بالرسالة الهزلية )) سخر فيها منه على لسان حبيبته ، فلم يلبث الوزير ان عمل على سجن الشاعر ، فراح ابن زيدون في سجنه يكتب الشعر مسترحما ، و راح يكتب إلى أبي الحزم رسالته المعروفة (( الرسالة الجدية )) مستعطفا ، و لكنه لم يجد اذنا تصغي و قلبا يرحم ، فصمم إذ ذاك على الهرب من السجن ، ففر ليلة عيد الأضحى و ظل متخفيا عن الأنظار إلى أن عفا عنه أبو الحزم ، و لما خرج من السجن بعث إلى ولادة بقصيدته المشهورة :

أضحى التنائي بديلا من تدانينا و ناب عن طيب لقيانا تجافينا

و لما توفي أبو الحزم سنة 1043 م اتصل الشاعر بابنه ابي الوليد و لقي لديه حظوة كبرى ، و ارتفع عنده إلى مرتبة الوزارة ، ثم اتخذه ابو الوليد سفيرا بينه و بين ملوك الطوائف ، فراح يتقلب من بلد إلى بلد و هو أبدا متشوق إلى قرطبة بنظم الشعر في حنان و لهفة ، و هو أبدا اسير حب ولادة و أسير الكأس و الليالي الساهرات ، و أخيرا اتصل ابن زيدون ببلاط بني عباد في اشبيلية ثم في قرطبة فجعله المعتضد وزيرا له ، و لما توفي المعتضد زاد ابنه المعتمد في تكريم الشاعر ، و جعله نديم شرابه و رفيق لهواه و حياته ، فقام الحساد ينفسون عليه تلك المكانة و يسعون في ابعاده ، و لما شبت ثورة إشبيلية على اليهود ، وجدوا سانحتهم المنتظرة فأشاروا على المعتمد أن يرسل ابن زيدون لإخماد نار الثورة ففعل و هكذا أقصي الشاعر و انتقل إلى اشبيلية حيث ثقل عليه المرض و توفي سنة 1071 م .

ادبه :

لأبن زيدون مجموعة رسلئل أتينا على ذكرها فيما سبق ، و له ديوان شعر طبع في مصر و فيه شتى الأغراض الشعرية المعهودة .

ابن زيدون في غزله :

الغزل عند ابن زيدون حاجة في النفس يلبي نداءها ، و ميل جامح يسير في ركابه ، و ثورة في القلب يندفع في تيارها ، فهو رجل المرأة الغوية يهواها إلى حد الجنون و المرض ، و يريدها أبدا طوع هواه ، و يوجه نحوها جميع قواه ، في ترف أندلسي ، و جماح نواسي ، و قد عانى من جراء الحب ألوانا من الألم و اللوعة ، و قاسى في سبيل المرأة أمر العذاب ، فوجدها رفيقة حياة ، و سبب مسرات ، كما وجدها موئل غدر ، و عالم تقلب و خيانة ، و لقي في كأس هواها ألف مرارة و مرارة ، فراح يسكب نفسه حسرات ، و يعصر قلبه و يرسله تأوهات و زفرات ، و إذا قصائده مزيج من شوق ، و ذكرى ، و ألم ، و أمل ، و إذا الأقوال منثورة مع كل نسيم ، مرددة كل صدى ، و إذا كل كلمة رسالة حب و غرام ، و كل لفظة لوعة و انطلاقة سهام ، و هكذا كان غزل ابن زيدون روحا متململا ، و كيانا تتقاذفه الأمواج ، و هكذا كان شعره كلام العاطفة و الوجدان ، و في عذوبة تتماوج على أعطافها موسيقى هي السحر الحلال ، موسيقى تنام على أوثارها الدهور و يغفو بين حناياها الجمال و النور ، و هكذا كانت ألفاظه سهولة تنمو في أجواء الطبيعة الزاهية ، و تمتزج بها امتزاج ألأرواح بالأرواح ، و إذا كل شئ في القصيدة حي نابض ، و إذا كل شئ رونق و جمال ، و كل شئ حلقة نورانية بين الذكرى و الآمال .

و من جميل غزله قوله :

ا ضر لو أنك لي راحــــــــــــم و علتي أنت بها عالــــــــــــــــــــــم

يهنيك ، يا سؤلي و يا بغيتـــــى أنك مما اشتكي سالـــــــــــــــــــــــم

تضحك في الحب ، و أبكي أنــا الله فيما بيننا حاكـــــــــــــــــــــــــــم

أقول لما طار عني الكـــــــــــرى قول معني قلبه هائـــــــــــــــــــــــــم

يا نائما أيقظني حبــــــــــــــــــــه هب لي رقاد أيها النائــــــــــــــــــــم

هكذا كان ابن زيدون ساعر الأندلس و بلبلها الغريد ، و هكذا كان شاعر العبقرية التي تعطي النفس من خلال الطبيعة التي تصف ، و تعصر القلب في كؤوس الحب التي ترتشف ، و تصعد الزفرات و الآمال أنغام سحر و روعة ، (( تعتصر اللغة و تستخرج منها كل ممكناتها الموسيقية لتشدو ألحانها المشجية التي ملكت على العرب ألبانهم في عصورهم القديمة و الحديثة ، حتي جعلت كبار شعرائهم من همهم أن يعارضوا بعض قصيده ، كي يظفروا ببعض أنغامه ، ... و ليس روم الأندلس و حدهم هم الذين أخذوا عنه لوعة فؤاده و عمق عشقه ، بل أخذهما أيضا في جنوب فرنسا جماعة التروبادور الذين ثأتروا فيما بعد أصحاب الموشحات و الأزجال من ألأندلسيين ، فعمله أو بعبارة أدق غزله كان واسع التأثير بما فيه من عمق الهوى و عذاب الحب و حرقة العشق )) .

المعتمد بن عباد

المعتمد بن عباد
تاريخه :
كان بنو عباد من ملوك الطوائف في الأندلس ، تولوا حكم إشبيلية من سنة 1031 إلى سنة 1091 م و قد لأسس دولتهم أبو القاسم محمد بن عباد السوري الأصل ، و كان آخرهم المعتمد بن عباد أمير اشبيلية ( 1068 ـــ 1091 ) .
و لد المعتمد بن عباد سنة 1040 م و شب في بلاط أبيه على رخاء في العيش و حب للمغامرة و في سنة 1058
و جهه أبوه المعتضد على راس أحد جيوشه لإفتتاح مالقة ، فسار إليها في نشوة الشراب و اللهو و لم يجد إلا صدا
و هزيمة ، و في سنة 1064 جعله أبي بكر ابن عمار صداقة لا تخلو من ريبة ، و انصرف معه إلى السكر و العربدة ، مما أثار حفيظة أبيه و مما حمله على إبعاد ابن عمار .
و في سنة 1068 اعتلى عرش أبيه و استقدم ابن عمار و وله على شلب ، ثم إنه تزوج من جارية استطاعت أن تجيز شطر بيت ارتجله ،
و كان قد سأل صاحبه الشاعر ابن عمار أن يجيزه فلم يستطع ، فأجازته هي على البديهة و هي تغسل في الهر ، و تمنت يوما أن تعجن الطين برجليها فنثر لها الكافور و العنبر على الحصباء و صنع لها منها طينا تطأه رجلاها .
و كان ابن عباد شاعرا عبقريا ينظم الشعر ، و قد حاول أن يجعل حياته كلها قصيدة من قصائد الشعر المترف ، و أن يجعل بلاطه موئل الشعراء ، و قد انظم إليه شعراء الأندلس و افريقية و صقيلية و لا سيما عندما غزا النورمان بلادهم
و استولوا على بعضها .
و كان المعتمد رجل حرب افتتح المدائن ، و دك الحصون ، و قد امتلك قرطبة و امتد سلطانه إلى مرسية ، عندما عليه أمر الأدفنش (( الفونس السادس )) ملك قشتالة استنجد بيوسف المرابطي ابن تاشفين صاحب مراكش ، و خاض معه معركة الزلاقة سنة 1086 ، و خرج منها ظافرا ، و لكن يوسف لم يلبت أن خانه و عمل سرا على الإستئثار بالملك في بلاد الأندلس ، فأثار الفتن على المعتمد و فتح قرطبة و اشبيلية ، فانهزم الملك الشاعر ثم أسر و حمل مع ذويه إلى أغمات قرب مراكش عند سفح جبال الأطلس ، فأقام في أسره يندب الحظ و يصف أيامه الماضية و الحاضرة في شعر كان عصارة نفسه و لسان وجدانه ، حتى وافاه الأجل في دور اتخذت له من طين تحت أغصان النخيل ، و ذلك سنة 488 هــ / 1095 م .
ان عباد شاعر الوجدان :
كان ابن عباد شاعر الترف و الرخاء قبل أسره ، و شاعر الألم و الذكرى بعده ، كان كأبي فراس من سليلة حل الشعر في صدر كل واحد من أفرادها ، و كان كل واحد منهم سيد السيف و القلم ، و نظم الشعر كأبي فراس منذ حداثة سنه ،
و لكنه اختلف عنه في تطلب اللهو إلى حد الإسراف ، و في حياة المجون التي تسربت إلى شعره فملأته خمرا و موسيقى و طربا .
و أسر ابن عباد كأبي فراس ، و اقتيد أولا إلى طنجة ثم إلى أغمات حيث ضاقت به الحال و اضطرت بناته إلى كسب العيش يعمل أيديهن ، و حيث توالت عليه النكبات و المحن ، و حيث أخيرا عاش أربع سنوات في مذلة الفقر ، و فقر المذلة ، يستوحي آلامه شعرا كان حكاية حاله و صورة لآلامه و أماله .
و كانت آلام ابن عباد شديدة الوطأة على نفسه ، و قد امزلته من برجه العالي إلى حقيقة الحياة ، و مرغت قلبه بتراب الوجود ، فبكى بعد غيبوبة النشوة ، و تململ على فراش الحزن بعد لين المسرة ، و جر قيده ذليلا بعد أن كان على رأسه تاج الملك ، و أبصر بناته يمشين حافيات على قسوة الأرض بعد أن مشين على المسك و الكافور ، و يغزلن للناس للحصول على لقمة العيش ، و فقد زوجه و ولديه و تشبتت حوله شمل الأصحاب بعد أن كان نقطة الدائرة و محط الآمال و الأبصار .
و راح في حزنه يتأمل و يعتبر و يخرج من تأمله حكيما يفقه زوال الدنيا و سراب الوجود ، و راح يقارن بين الماضي
و الحاضر ، و إذا في نفسه صراع ينسيه الحقائق التي جنى ثمارها من التأمل و الإعتبار ، و إذا الصراع يتحول إلى سخط على الدهر الذي يحارب الصالحين ، و إلى كآبة شديدة تحيي فيه الذكريات ، و تزجه في عالم الفرحة السالفة في يأس يهون معه الموت الزؤام .
و راح في حزنه ينظر إلى الذاهبين و الباقين من ذويه ، و يتقلب بين دمعة الرثاء و جرح البقاء ، في لوعة بثت شعره حرارة اللهات المحترق و سكبت على قوافيه عالما من الأشجان ، و هو أبدأ صادق الإنفعال ، صادق التصور ،
و شعره أبدا تعبير حي عن واقع حالته .
و هكذا فوجدانية أبن عباد هي وجدانية النفس السهلة اللينة التي تنصب على واقعها و واقع أحوالها الحياتية ، و تعالج آمالها يالتنهد الحرى ، و الزفرة العميقة ، و الإرنان الطويل ، فليس هنالك تعقد و لا تعقيد ، و ليس هنالك نظرات إنسانية بعيدة المرامي ، و إنما هنالك إخلاص في العاطفة ، و صدق في التجربة ، و حكاية حال حافلة بالإنكسار النفساني . و الذهول الآسف المتألم .
هكذا يبدو لنا ابن عباد اشد تركزا شعريا و عاطفيا من أبي فراس ، و أن في ذكرياته الفخرية ما يجعلها أقرب إلى النفس و أفعل في القلب من ذكريات أبي فراس .

السبت، 30 أغسطس 2008

مراحل الشعر الأندلسي

في عهد الولاة :

نشأ الشعر الأندلسي في عهد الولاة نشأة غامضة ، و كان صدى ضعيفا للشعر المشرقي تتردد فيه معانيه و أساليبه ، و من شعراء تلك الفترة : بكر الكناني ، و عبااس بن ناصح ، و عبيد اللع بن قرلمان ، و عبيديس بن محمود ، و محمد بن يحيي القلفاط ، و حسانة التميمية ، و يحيى بن حكم الغزال .
و مما زاد التأثير البغدادي في هذا العهد أنغام الجواري المشرقيات الائي حملن إلى الأندلس من مثل (( قمر )) و (( العجفاء )) ، و أوثار على بن نافع الملقب ((زرياب )) أو (( الطائر الأسود )) ، و قد فر من بغداد تخلصا من غيرة أستاذه (( إسحاق الموصلي )) ، و حمل إلى الأندلس طائفة كبرى من أنغام الشرق أصبحت في أصل الموسيقى الإسبانية على ممر العصور .
و قد ظهرت في هذا العصر الأراجيز التاريخية كما ظهرت الموشحات على يد شاعر ضرير هو (( مقدم القبري )) الذي عاش في أوخر زمن الولاة ، و انتشر شعر (( النوريات )) انتشارا شديدا إلى جنب الزهديات و التاريخيات و ما إلى ذلك .
في عهد بني أمية
و لما كان عهد بني أمية في الأندلس ازداد الشعر انتشارا ، لما أولاه الحكام من عناية ، و لما كان هنالك من حركة علمية و أدبية هي أشبه شئ بحركة أوائل العهد العباسي في الشرق ، و قد اشتهر من الشعراء إذ ذاك (( ابن عبد ربه 339 هـ صاحب العقد الفريد )) ،
و (( ابن هاني الإلبيري 362 هـ )) و (( الزبيدي 379 هـ )) و (( ابن ابي زمنين 398 هـ )) و (( المصحفي 372 هـ )) و (( ابن ادريس الجزيري 394 هـ )) و (( ابن دراج القسطلي 422 هــ )) و (( ابن برد 394 هـ )) و اشتهر في فترة الإنتقال من العهد الأموي إلى عهد ملوك الطوائف (( ابن شهيد 382 هـ )) و (( ابن حزم 384 ــ 456 هـ )) و هما من أظهر أعلام الثقافة الأندلسية ، و قد شهدا سقوط الخلافة الأموية و بكيا قصر الخلافة في قرطبة لما عراها من خراب و دمار .
في عهد الإمارات :
و ما إن انهارت الخلافة الأموية حتى تحولت بلاد الأندلس إلى إمارات تنافس فيه الحكام في طلب العلم ، و الأخذ بأسباب الأدب ، و تقريب الشعراء ، بل تنافسوا في نظم الشعر ، و كانوا يتراسلون فيما بينهم شعرا ، و يحاولون أن يعيشوا حياة شعرية ، و قد اشتهر في ذلك العهد (( المعتمد بن عباد صاحب اشبيلية 461 هـ 484 هـ )) و (( ابن زيدون 394 هـ 463 هـ )) و (( أبو بكر الشلبي 479هـ ))
و (( ابو بكر بن اللبانة الداني 507 هـ )) و (( ابو عبد الله محمد بن الحداد 480هـ )) و (( ابو محمد عبد الجليل بن وهبون المرسي 480 هـ )) و (( ابن صارة الشنتريني 517 هـ )) و (( ابو عبد الله محمد بن شرف البرجي 461 هـ ))
في عهد المرابطين :
و في عهد المرابطين انحط الشعر انحطاطا مشؤوما لأسباب شتى منها أن ذلك العهد كان قصيرا لم يتهيأ لأصحابع من الوقت ما يهذب خشونتهم و يرقق من أذواقهم ، ثم إن الثقافة في العهد السابق لم تكن من العمق و المتانة بحيث يتهيأ لها البقاء في هذا العهد ، زد على ذلك أن المشرق كان إذ ذاك في انهيار و لم يبق له على الأندلس إلا أثر ضئيل جدا ، فراح الشعر يتضاءل و يتلاشى و ينزه نزعة الزجل و التوشيح ، و انصرف نفر من أهل الحرص يجمعون الشعر الأندلسي خشية أن يضيع ، فوضع أبو الحسن علي بن بسام 542 هـ مجموعة (( الدخيرة في محاسن أهل الجزيرة )) و وضع ابو نصر الفتح بن خاقان القلاعي 1134م كتابه (( قلائد العقيان )) .
و قد تغلب في هذا العهد ذوق العوام ، و مال الشعر إلى كل ما هو سوقي ، و اتسم بسمة البذاءة ، و هكذا كان العهد (( عهد الهجاء اللاذع و السخر العنيف ، عهد المتحررين و المجان من الشعراء ، و عهد كبار الزجالين كذلك )) .
و قد اشتهر من الشعراء ابو إسحاق بن خفاجة 450 هـ و ابن أخته يحيى بن عطية بن الزقاق 529 هـ و هما من أهل جزيرة شقر ، و الأعمى التطيلي 520 هـ و ابن بقي 540 هـ و اشتهر في الشعر الزجلي ابن قرمان .
عهد الموحدين :
و كان عهد الموحدين عهد هدوء و سكينة ، كما كان عهد علم عرف ابن طفيل و ابن رشد و ابن عربي و زهر و ابن البيطار ، و اشتهر ابو عبد الله محمد بن غالب البلنسي المعروف بالرصافي 573 هـ و أبو بحر صفوان ابن ادريس الحميري صاحب (( زاد المسافر )) و ابو عبد الله محمد بن ادريس المعروف بمرج الكحل 634 هـ و اشتهر كذلك عدد من النساء اللواتي تعاطين القريض من مثل حفصة الركونية ، كما اشتهر ابراهيم بن سهل الإسرائيلي 649 هـ و أبو عبد الله بن الآبار القضاعي .
عهد بني الأحمر :
اما عهد بني الأحمر في غرناطة فكان عهد انحلال اشتهر فيه الوزير لسان الدين بن الخطيب 714 هـ و الوزير محمد بن يوسف الشريحي المعروف بابن زمرك 734 هـ و قد (( رددا أصداء الماضي المولى في نغم نادر الجمال و الروعة )) .
تلك هي المراحل التي مر بها الشعر الأندلسي ، و إننا نرى من خلال ها أن الشعراء قليلو العدد قبل القرن الحادي عشر ، و أن شعرهم تقليد للشعر العباسي في موضوعاته و أساليبه ، و قد ازداد عدد الشعراء بعد ذلك العهد و تضخم الإنتاج الشعري و ظهرت فيه الشخصية الأندلسية ، و النزعة الشعبية ، و إذا الشعر على ألسنة جميع الطبقات ، و إذا الحكام و الأمراء و الوزراء و أرباب الفقه و الأطباء و المتصوفون ، و إذا العميان و العمال و غيرهم يتعاطون القريض .

شيوع الشعر في الأندلس

شاع الشعر في الأندلس شيوعا واسعا جدا ، و انتشر في جميع الطبقات ، فزاوله الملوك و الوزراء ، و انشده القضاة و العلماء ، و قاله الأعمى و المتسول ، و الساعي المتجول ، و فاه به القائد في مقدمة الجيوش ، و الجندي في ميادين القتال ، حتى لتحسب أن الشعر في الأندلس لغة الحياة ، و ان الحياة شعر و ألحان ، و الذي يلفت النظر في الموضوع أن للرفيين في الشعر الأندلسي أعمق الأثر ، قال هنري بيريس : (( لم يكن عمل الفلاحة ليلف الحياة الريفية لفا كاملا ، و انسيابات خيال و إلهام ، و لن تخرج عن جادة الصواب إذا قلنا إن أعمق الشعر شخصية هو شعر الرجال و النساء الذين كانوا ألصق بالأرض ، و أقرب إلى الطبيعة ، فقد تسربت إلى شعرهم عذوبة المشاهد قسوتها ، و عندما انتقلوا إلى لين المدينة استطاعوا أن يعبروا عن أقوى الأفكار في أنضر الصور و أزهارها ألوانا ، فهم الذين أكسبوا الشعر الأندلسي تلك الميزة الريفية التي تصلها بأصدق ما كتبه اليونان و الرومان في موضوع الريف ... )) .

و قد بلغ انتشار الشعر ذروته منذ القرن الحادي عشر ، و كان ذلك فريدا في تاريخ العرب ، أضف إلى ذلك أن الشعر في المشرق انحصر ضمن نطاق الأرسطقراطية ، و أن عمل بشار و أبو نواس على إنزاله إلى الحيز الشعبي ، أما في الأندلس فكان الشعر شعبيا بكل ما في الكلمة من معنى ، و كان تنفس الحياة بكل ما في الكلمة من معنى ، و كان لغة الجميع ، (( فهو للعامل و الفلاح أنشودة الجمام بعد التعب ، و هو للكاتب و الوزير و الأمير انفلاتة من عبودية الهموم و المهام ، و هو للشعراء الرسميين وسيلة للتكسب و كسب لقمة العيش ، كما هو في الوقت نفسه مجال لانطلاق الفن ، و هو للجميع موضوع فخر و مباهات ، و مجال حر لا يضيق بوزير و لا أمير ، و الأندلسيون يميلون إليه لأنه شعر ، و لأنه كلام موزون ينطلق من الشفاه ألحانا و أنغاما ، لانه (( كلام مجنح )) و موسيقى قبل أن يكون خطابا .

الشعر الأندلسي

نظرة عامة :

انتقال الشعر إلى الأندلس :

لقد تدفق العرب على الأندلس تدفقا شديدا ، و لن تمضي فترة من الزمن يسيرة حتى نرى البلاد تموج بالعرب موجا ، و قد حملوا معهم إلى الأندلس طبيعتهم الشعرية ، كما حملوا نزعاتهم العرقية ، و كان الشعر يحل حيثما حلوا ، و كان ينمو و يترعرع في انفجار طبيعي أشبه بانطلاق النور من قلب الشمس ، و في هذا الجو الجديد اتسع المجال لمواطن شعري جديد ، و إذا هنالك عالمان : عالم شرقي و عالم غربي ، عالم شرقي بشخصيته التي عرفناها و تتبعناها في أطوارها عبر العصور ، و عالم غربي بشخصيته تتكون شيئا فشيئا ، و يبدأ تكوينها يوم كان بشار و أبو نواس في الشرق يثوران على التقاليد الموروثة ، و يريدان شعرا شعبيا ينساق مع البيئة ، و ينضج بروح العصر ، عالمان عربيان : اصل و فرع ، و للأصل تاريخه و أمجاده ، و للفرع طموحه و آماله ، و قد نظر الغرب إلى الشرق نظر الفرع إلى الأصل ، و فيه عزم على مواصلة الحركة الشعرية في أوج ما وصلت إليه ، و فيه طمع في التقليد الحياتي و الأدبي ، و قد نفسه شئ من نقص ، و كان دائم التطلع إلى دمشق و بغداد و المدينة ، حتى انقلب و في نفسه شئ من نقص ، و حتى وهم أنه دون الشرق منزلة ، ثم قام فيها حكم يناوئ حكم العباسيين في بغداد ، ثم إن الغرب الذين هاجروا إليها امتزجوا بسكانها امتزاجا أفقدهم شيئا من عروبتهم ، و ساقهم إلى الرطانة في اللغة .
و ما إن كان القرن الحادي عشر حتى قويت الشخصية الأندليسية ، و حتى أخد الأندلسيون يعرضون شيئا فشيئا عن المشارقة ، و يجدون عندهم العالم و الأديب و الشاعر ، و يجدون عندهم من ينافسون به الشرق ، و قد أخذوا في جمع الشعر الأندلسي فوضع أبو الوليد الحميري كتاب (( البديع في وصف الربيع )) و أعلن في مقدمته أن الأندلس أصبحت في غنى عن أدب المشرق لما أتى به أدباؤها و شعراؤها من روائع القول ، و في أوائل القرن الثاني عشر وضع ابن بسام كتاب (( الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة )) و أراد فيه أن يكابر أهل المشرق و يصد أبناء الأندلس عت التطلع إليهم ، و يقدم الشواهد على أن العبقرية الأندلسية قد تفوقت في أمور كثيرة على العبقرية الشرقية ، و في الوقت نفسه وضع الفتح بن خالقان (( قلائد العيقان )) للغاية نفسها و في سبيل الغرض نفسه ، ظهرت كذلك دواوين الشعراء فكانت البرهان القاطع على عروبة الشعر الأندلسي و علو منزلته .

مالك بن المرحل

مالك بن المرحل ( 604 -- 699 هــ / 1207 ــ 1299 )

تاريخه :

ولد أبو الحكم مالك بن المرحل السبتي في بلدة سبتة و نشأ ساقط الذكر ، خفي المنزلة ، إلا أن أدبه و شعره جعلا منه شاعر المغرب الأول ، تعاطي صناعة التوثيق في بلدته و تقرب كثيرا من يعقوب المنصور المريني و قد خصه دون غيره بالمديح ، و بالرغم من شيخوخته و تقدمه في السن بقي نافذ الذهن ، شديد الإدراك ، سريع البديهة ، توفي بفاس سنة 699 هـ / 1299 م .
أدبه لأبي الحكم ديوان شعر لم يبق منه إلا بعض القصائد في أغراض متنوعة ، و هو يحاول في شعره أن يقلد أبا تمتم و غيره من شعراء المشرق ، و لكنه لا يستطيع أن ينطلق في ميادين الحماسة انطلاقهم ، و لا تشعر أن الثأتر بلغ منه مبلغا شديدا ، فشعره لين و سهل ، مطبوع بطابع التدين و الإنتصار للدين ، و هو على كل حال لا يخلو من رفق و جمال .
(( قيل عن ابن المرحل إنه (( أطبع شعراء المغرب أسلوبا ، و أرشقهم لطفا ، و أبلغهم معنى )) و هذا يعني أنه من أحق الشعراء بالخلود ، و أنه من العقريات التي يستطيع المغربي العربي أن ينافس بها أهل المشرق ، و إننا سنتتبه في بعض أغراض شعره لنقف على بعض مزايا هذا الشاعر العظيم الذي جمع في صدره عالما من العلم ، و في شعره عالما من الروعة .
شاعر المدح :
ذكرنا سابقا سابقا أن ابن المرحل خص يعقوب المنصور المريني بالمديح دون سواه ، و يعقوب بن عبد الحق هذا هو الذي استطاع أن يقظي على الموحدين و يرفع لواء بني مرين ، و كان فاضلا نقيا ، يحب العلم و العلماء ، و يستبشير رجال الفكر في شتى أموره ، و كان إلى ذلك رجل دولة من الدرجة الأولى ، و رجل حرب شديد البأس ، مرهوب الجانب ، و قد حاول أن يسترجع ملك أفريقية من سيطرة بني عبد الواد و بني حفص فلم يفلح ، و لئن كانت له عليهم انتصارات في مواقع متعددة فإنه لم يتمكن من بلوغ الأهداف ، و تحقيق الوحدة المغربية التي حققها الموحدون .
و عندما فتح مدينة مراكش مدحه شاعرنا بقصيدة ميمية رائعة تجلب فيها شاعريته بشتى مزاياها ، و الطريقة التي انتهجها في مدحه لهذا العاهل الكبير الذي ملأ نفسه إعجابا ، و قلبه فخارا ، فكان له بمثابة سيف الدولة لأبي الطيب المتنبي أو بالحري بمتابة المعتصم لأبي تمام صاحب البائية الشهيرة التي نظمها عند فتح عمورية ، هو الفتح يستحث قريحة الشاعرين فينطلقان انطلاق غبطة و عزة و يريان في الممدوح سيفا من سيوف الله في رقاب الظالمين ، و رحمة من رحمات الله في نفوس العابدين .
تمثلت لشاعرنا وقفة أبي تمام يومذاك ، و تصورت في نفسه معانيه ، فراح يعالج الموضوع مستوحيا لا مقلدا ، و مقتبسا لا مرددا ، و هكذا كان البحر البسيط مركب الشاعرين ، و كان الفتح عندهما تفتحا في الوجود و في أبواب الجنة ، و كان الأمير مختارا من الله لصرة الدين و عقاب الظالمين .
و لكن ابن المرحل لم يستطع مجاراة أبي تمام في ملحمته الحربية ، و في قوقعته الشعرية ، و لم يسلك مسلكه في الزخرفة المدوية التي غمرت أبياته و قوافيه ، و لا في التعقيد الفكري و اللفظي الذي انطوت عليه قصيدته ، بل نزع منزع اللين و السهولة ، و استعاض عن وصف الحرب بالإطناب في ذكر صفات الأمير الكبير ، و إذا هو خير الحاكمين ، و ملاك الله الأمين بل هو درع الدين و حمى المسلمين ، فسبحان من خصه بالفضل كله ، و سبحان من وهبه نور العقل و نور اليقين .
و هكذا فالقسم الأول من القصيدة نشيد الفتح ، و هو أقرب إلى وصف الطبيعة و النسيب منه إلى الحماسة و شعر الفتوح ، و القسم الثاني لنعمة الله التي رافقت الأب المنصور إلى الولد المنصور ، و القسم الثالث للفاتح رجل السيف و القلم ، و في هذه الأقسام سكب الشاعر روحه المتدينة ، و إيمانه العميق ، على كل بيت و كل عبارة ، فكانت القصيدة مطبوعة بطابع التدين و الإنتصار للدين .
أضف إلى ذلك أن ابن المرحل مزج المدح بوصف الطبيعة على طريقة الأندلسيين ، مما أضفي على كثير من الأبيات شيئا من الرقة و اللين هما لغير هذه المواقف .
شاعر الغزل :
لإبن المرحل غزل طريف ، و إننا سنتوقف عند قصيدتين نستجلي من خلالهما ميزات هذا الشاعر في فن النسيب و التشبيب ،
القصيدة الأولى : من وحي ابن الفارض ، و قد تأثر به شاعرنا ، و راح ينهج نهجه في التقلب على نار الهوى ، و فقدان الصبر ، و التململ على فراش السهر و الدموع ، و راح ــ و هو الخبير بالقضاء و المرافعات ، يتحكم إلى قاضي الحب ، و يقيم الشهود لإثبات الحقيقة التي يعانيها :
شكيت لقاضي الحب قلت أحبتـــــــــــي جفوني و قالوا أنت في الحب مــــــــــــــدع
و عندي شهود بالصبابة و الأســــــــى يزكون دعواي لإذا جئت أدعــــــــــــــــــي
سهادي و شوقي ، و اكتئابي و لوعتـي و وججدي و سقمي و اصفراري و أدمعــــي
ليس في هذا الحب معاناة حقيقية ، و ليس فيه تعبير عن تجربة ، و إنما فيه فن و طرافة ، و روعة أداء ، و هو ، و إن كان قليل الإثارة ، ضعيف التأثير في عالم النفس و الحسن ، فهو يعجب بما فيه من زخرفة بيانية و بديعية ، و بما يمتاز به من رقة و سلاسة و سهولة ، و يعجب خصوصا بالطرافة التي يتحلى بها .
لابن المرحل قصيدة أخرى حافلة بالطرافة على وزن مجروء الدوبيت .
افتحها بفلسفة الحب و الحبيب ، و بين أن القلب عبد الجمال ، و أن للحب الحقيقي دلائل تدل عليه ، ثم انتقل إلى نفسه و إذا هو هدف لسهام الجمال تنطلق من حبيبه إلى مقاتله ، و إذا هذا الحبيب تمثال حي من تماثيل الفن و النهاء ، و لكنه مع ذلك تمثال يثير .
الإعجاب :
ياحسن طلوعه علينــــــــــــــــا و السكر بمعطفه مائـــــــــــــــل
قد نم به شذا الغوالـــــــــــــــــي إذ هب ، و نمت الغلائــــــــــــل
و السحر رسول مقلتيــــــــــــــه ما أقرب عهده ببابـــــــــــــــــل
شاعر الفصص و الفكاهة :
و هذه ناحية أخرى طريفة تتجلى لنا في شعر ابن المرحل ، من أمثال هذه القصص الفكاهي و المأسوي في آن واحد قصته مع امرأة شوهاء ارغم على زواجها بالحيلة و الدهاء ، و لما اختلى بها وجدها قرعاء حولاء ، فطساء ، صماء ، بكماء ، عرجاء ، فما كان له إلا أن يهرب تحت جنح الظلام ، و ينحو بنفسه من غوائل الأيام .
يفتتح الشاعر قصيدته بالتكبير و بإعلان تدينه ثم يعلن أنه كان ضحية لمكر النساء :
إن النساء خدعنني و مكرن بي و ملأن من ذكر النساء مسامعي
حتى وقعت ، و ما وقعت لجانب لكن على رأسي لأمر واقـــــــع
ثم يري لنا كيف احتلن عليه و وصفن له العروس بأوصاف الفتنة و السحر ، و كيف أقدم بعدم تردد ، فكتب الكتاب و شرطت الشروط ... و كان قرارة نفسه يخشى ما آلت إليه حاله :
ثم انفصلت و قد علمت بأنني اوثقت في عنقي لها بجوامع
ولم تلبث النساء أن عدن إليه و أمرنه أن يأخذ في البناء ، و أن يصنع للعروس عرسا و أن لا يحوج إلى قاضي و محاكمة ... عند ذلك شعر الشاعر بالمسؤولية الباهظة ، و راى في الأمر ما يريب ، فندم ، و هيهات أن ينفع الندم ، و فكر في الطلاق و لكنه طمه في الحسن الذي أطنبت النساء في وصفه ، فأقام العرس ، و طمع في أن تجلى العروس فيصبر وجهها ، و لكن النساء كن بالمرصاد :
فدكرن لي أن ليس عادة أهلها جلو العرس ، و تلك خدعة خادع
ثم نقله ليلا إلى دارها ، و إذا هو بيت صغير مظلم ، فسمع (( حسا منكرا )) اشبه بنقيق الضفادع ، فحاول أن يهرب ، لكن النساء حلن دون ذلك ، ، فخضع أخيرا لما لا بد منه ، و اختلى بعروسه ، و أرغمها على نزع الخمار عن رأسها ، و إذا به أمام مشهد رهيب :
فوجدتها قرعاء تحسب أنهــــــا مقروعة في رأسها بمقـــــــارع
حولاء تنظر قرنها في ساقهـــــا غتخالها مبهوتة في الشـــــــارع
فطساتحجو أن روثة أنفهــــــــا قطعت ، فلا شلت يمين القاطـــع
صماء ...
فما كان منه عند هذا المشهد إلا أن يندفع في الزقاق هاربا (( كأنه لص أحس بطالب أو تابع ))
حتى إذا لاح الصباح و فتحوا باب المدينة كنت أول كاسع
إنها و الحق يقال قصة طريفة فيها تحليل دقيق ، و فيها سرد ممتع ، و فيها سلاسة و عذرية و رواء .
شاعر الحكمة و الزهد :
مالك ابن المرحل رجل امتاز بحصافة العقل ، و سعة الثقافة و حسن التدين ، و له في الحياة و الناس و الزمان آراء مبثوثة هنا و هناك في شعره ، و هي أبدا تخص على التحلي بالفضيلة و التقوى ، و على السير على سبيل الإستقامة .
و الفتى الذي يرجى توبته جدير بأن يبكي على نفسه :
جدير بان يبكي على نفسه أســــــــــى فتى كلما ترجى له توبة ترجـــــــــا
جبان عن التقوى ، جرئ على الهوى قريب من المهوى ، بعيد من الملجأ
و كم في هذا الكلام من ترصن و من صدق عقيدة ، و كم فيه من جمال فني في التعبير فالجناس في البيت الأول رائع ، و الطباق في البيت حافل بموسيقى الأسى و الأسف .
و ابن المرحل شديد التأثر بجماعة التصوف ، و إننا لنراه يسير في خطاهم و يستعير بعض تعبيراتهم و ألفاظهم ليعبر عما في نفسه من لواعج ، و عما في قلبه من صبو إلى عالم الله تعالى ، فهو يبكي على ذنوبه و ينتحب ، و يدعو صاحبه إلى البكاء و النحيب معه عله يغسل بالدموع أدران آثامه :
بحقك لا تبرح أطارحك لوعتــي رجاء بعيد ، لا مخاف قريـــب
بدار إلى هذي الدموع فربمـــــا غسلت ذنوبا جمة بذنـــــــوب
و هو إلى جانب ندمه عما أتى من سيئات ، يدعو الناس إلى التعقل ، و نبذ الدنيا الغرارة ، و عدم تأجيل التوبة إلى زمن الشيخوخة :
بعيد من التوفيق من بات ساهرا رجاء بعيد ، لا مخاف قريــب
بطئ لعمري من سرى الليل كله و أصبح حول الحي بعد لغوب
بخيل لعمري من دعاه حبيبه : هلم إلينا ــ و هو غير مجيـــب
هذا هو مالك بن المرحل الذي قيل عنه (( إنه أعظم شعراء المغرب شهرة على الإطلاق )) إنه شاعر الدين و الدنيا الذي استطاع أن يجمع في شعره جزالة العباسيين و رقة الأندلسيين ، و تلوع المتصوفين ، و أن يكون صاحب الشخصية المغربية الفذة التي صبغت عبقريته بصبغة المغرب )) .

الجمعة، 29 أغسطس 2008

ابن حبوس

ابن حبوس ( 500 ــ 570 هـ / 1106 ـــ 1174 م )

تاريخه :

ولد محمد بن حسين بن عبد الله بن حبوس في مدينة فاس ، و نشأ على نظم الشعر حتى فاق أهل زمانه في هذا المضمار و لقب بشاعر الخلافة المهدية ، قدمه الأميران عبد المؤمن و ابنه يوسف على ساءر الشعراء و اجزلا له العطاء ، فجمهع في أيامهما ثروة ضخمة .
و لكثرة مانقله عنه الوشاة ، اضطر في آخر أيامه أن يهرب من بلاد المغرب و يلجأ إلى الأندلس ، توفي سنة 570 هـ / 1174 م .
لابن حبوس ديوان شعري متعدد الأغراض ، و له عدة قصائد في التوحيد و الزهد ،
و التمسك بالسنة ، و كيفية معاملة الناس .
شعر ابن حبوس من أروع الشعر العربي لانه شعر النعومة و اللطف و الين ، شعر السلاسة العجيبة التي تنساب كالسحر ، و هو شعر الموسيقى العذبة الأنغام التي توسوس وسوسة ، و تناجي القلب قبل أن تخاطب الأدن ، و هو أخيرا شعر العاطفة الحية التي تنفعل و تفعل ، و هكذا كان ابن حبوس شاعر السلاسة و الموسيقى و العذوبة الذي استطاع أن يجمع في شعره جزالة العباسيين ورقة الأندلسيين .
أما مدحه فيجري على طريقة المشارقة و لا سيما المتنبي منهم ، ففيه وصف للجيوش ، و فيه نفحة ملحمية جميلة ، و فيه رونق و صنعة أنيقة تكاد تختفي وراء ستائر الفن الجميل ، ابن حبوس هو المداح صاحب الذوق الذي يروقك شعره ، و تعجبك ابتكاراته ،
و لكنه لا يملك الدفق الزاخر الذي نجده عند المتنبي و أبي تمام .
و أما وصفه فهو أقرب ما يكون إلى الوصف الأندلسي مادة و أسلوبا ، فالشاعر يقف أمام مشاهد الوجود مشخصا ، و هو يثقل المشاهد بالتشبيهات و الإستعارات و الكنايات ،
و ينسج حول المشهد البسيط مشهدا مزخرفا حافلا بالتأنق الحضري و اللون الأندلسي المغربي .

الشعر المغربي

الشعر المغربي :

نظرة عامة :

نقل العرب إلى المغرب لغتهم و تقاليدهم الأدبية الشعرية ، و كانت حركة الشعر في عهد الفتوح ضعيفة لانصراف الناس إلى طلب الإستقرار ، ثم جاء عهد المرابطين و الموحدين فكان الإزدهار الذي عم البلاد و ظهرت آثاره في جميع مرافق الحياة كما ظهرت في الشعر ، فما إن فتح الخلفاء و الأمراء أبوابهم لرجال العلم و الأدب و أجزلوا لهم العطاء الوافر حتى توافد عليهم شعراء عديدون تناولوا أكثر أبواب الشعر من المديح و الإفتخار ، إلى الرثاء و الإعتذار ، إلى الذم و العتاب و الوصف و الغزل ، و سرى الإعتناء بالشعر من الملوك إلى الأمة ، جاء في (( الفتح )) أنه يوم رجع يعقوب المنصور من غزوة الأرك الشهيرة ورد عليه الشعراء من كل قطر من أقطار مملكته يهنئونه ، فلم يكن لكثرتهم أن ينشد كل شاعر قصيدته بل كان يختص بإنشاد البيتين أو الثلاثة المختارة ، و انتهت رقاع القصائد و غيرها في هذا اليوم إلى أن حالت بين يعقوب و بين من كان أمامه لكثرتها .

وجد الأدب المغربي في هذه الحقبة في أعقاب العصر العباسي و بجوار الأدب الأندلسي ، فتأثر بهما و أخذ عنهما دون أن يفقد شخصيته المغربية و ما لها من مميزات أهمها الخلو من الزخرف و الإبتعاد عن الصنعة ، و الترفع عن السفاسف ، و قد طبع الشعر أيضا بالطابع الديني الذي كانت عليه الدولة كما تأثر بالهداية و مبادئها و بالعلوم الفلسفية الشائعة في هذا العصر فقل شعر الخمريات و قل أدب التغزل المكشوف .

و قد توافد على المغرب في هذا العهد عدد من الوشاحين الأندلسيين ـــ إذ كان الفن محبوبا عند ملوك الموحدين ـــ
و اتصلوا بالشعراء المغاربة الذين نهجوا نهجهم فعالجوا فن التوشيح و ألحقوه بالزجل و استنبطوا نوعا آخر من الشعر ذكرخ ابن خلدون في المقدمة حين قال : (( ثم استحدث أهل الأمصار في المغرب فنا آخر من الشعر في أعاريض مزدوجة كالموشح ، و نظموه بلغتهم الحضرية و سموه (( عروض البلد )) و كان أول من استخدمه فيهم رجل من أهل الأندلس نزل بفاس يعرف بابن همير ، فنظم قطعة على طريقة الموشح لم يخرج فيها عن مذاهب الإعراب إلا قليلا فاستحسنه أهل فاس و ولعوا به و نظموا على طريقته و تركوا الإعراب الذي ليس من شأنهم ، و كثر سماعه بينهم و استفحل فيه كثير منهم .

و واصل الشعراء ازدهاه في عهد الصنهاجيين و المرينيين ، و نضج نضوجا شديدا ، فكان ذا شخصية مغربية تقف في وجه المشرق موقف منافسة ، و لما كان عهد السعديين و العلويين ، أخذ الشعر يفقدمن حرارته و من بلاغته ، و راح ينحط شيئا فشيئا ، وظل كذلك إلى عهد النهضة الحديثة التي تداركته و أعادت إليه الحياة و القوة .

و إننا سنقتصر درسنا على بعض أعلام الشعر المغربي الذين يمثلون أطوار هذا الشعر ، و في هذا القليل دليل على الغنى الفكري و الفني الذي امتاز به أدب المغرب العربي .

ابن خلدون ( 732 ــ 808 هـ / 1332 ــ1406 م )

ابن خلدون :

تاريخه :

هو عبد الرحمان بن محمد بن خلدون الحضرمي ، ولد في تونس سنة 432 هـ / 1332 م ، و نشأ على حب العلم و تحصيل المعارف ، و قد اتصل بعلماء عصره من مثل عبد المهيمن (( إمام المحدثين و النحاة بالمغرب )) و ابراهيم الآبلي (( شيخ العلوم العقلية )) ، و لازم عبد المهيمن و أخذ عنه ، (( سماعا و إجازة )) ، الأمهات الست ، و كتاب الموطأ للإمام مالك ، و كتاب السير لابن إسحق ، و كتاب ابن صلاح في الحديث ، و لازم الآبلي عدة سنوات ، و أخذ عنه العلوم الرياضية و المنطق ، و سائر الفنون الحكمية ، ثم استدعاه الوزير ابن (( تافراكين )) إلى (( كتابة العلامة ))
عن سلطانه إبي إسحق ، و كانت مهمة كاتب العلامة (( وضع الحمد لله و الشكر لله بالقلم الغليظ مما بين البسملة و ما بعدها ،من مخاطبه أو مرسوم )) ثم انتقل ابن خلدون إلى أبة ثم تبسة فقفصة حيث التقى بصاحب الزاب و سافر معه إلى بيسكرة ، ثم رحل إلى تلمسان حيث التقى بالسلطان أبي عنان و وزيره الحسن بن عمر ، ثم سافر إلى بجاية ثم إلى فاس حيث أقام بها ثمانية أعوام نظمه فيها السلطان أبو عنان (( في أهل مجلسه العلمي ، و ألزمه شهود الصلوات معه ، ثم استعمله في كتابته و التوقيع بين يديه )) ، و قد جرى إذ ذاك ما حمل السلطان أبا عنان على التنكر لابن خلدون و الأمر بسجنه ، فسجن سنتين ، و لما توفي أبو عنان خرج ابن خلدون من سجنه ، و انضم إلى السلطان أبي سالم و استعمله في كتابة سره و الترسيل عبه و الإنشاء لمخاطباته ، ثم ولاه (( خطة المظالم )) .
و في سنة 1362 م رحل ابن خلدون إلى الأندلس فنظمه السلطان فيها (( في علية اهل مجلسه ، و اختصه بالنجي في خلوته و المواكبة في ركوبه ، و المواكلة و المطايبة و الفكاهة في خلوات أنسه )) .
و في سنة 1365 م غادر ابن الأندلس إلى بجاية حيث ولاه السلطان محمد ابو عبد الله محمد ارفع مناصب الدولة أعني الحجابة أي (( الإستقلال بالدولة ، و الوساطة بين السلطان و بين أهل دولته ، لا يشاركه في ذلك أحد )) .
و في سنة 1366 م انتقل ابن خلدون إلى بيسكرة حيث أقام نحو ست سنوات و حيث اعتزل المناصب و راح يخدم هذا السلطان أو ذاك عن طريق استئلاف القبائل و استتباعها ، (( و لا نغالي إذا قلنا إنه أصبح بمثابة الملتزم و المورد لتلك القوى المسلحة : إنه كان يوجه العشائر إلى خدمة السلاطين الذين يشايعهم حتى إنه كان يصطحبها في بعض الأحيان )) ,
و لبث ابن خلدون يتقلب في البلاد من بلد إلى آخر حتى بلغ مصر سنة 1382 م و قد قضى فيها ما بقي من حياته ، و تولى فيها فيها مناصب التدريس و القضاء إلى ان توفي سنة 1406 م .
أدبه :
الكتاب الوحيد الذي وصل إلينا من مؤلفات ابن خلدون هو (( كتاب العبر ، و ديوان المبتدأ و الخبر ، في أيام العرب و العجم و البربر ، و من عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر )) و هو مرتب على مقدمة و ثلاثة كتب :
ـــ المقدمة : في فضل علم التاريخ و تحقيق مذاهبه ، و الإلمام بمغالط المؤرخين .
ـــ الكتاب الأول : في العمران و ذكر ما يعرض فيه من العوارض الذاتية من الملك و السلطان و الكسب و المعاش و الصنائع و العلوم و ما إلى ذلك من العلل و الأسباب .
ـــ الكتاب الثاني : في أخبار العرب و أجيالهم و دولهم منذ الخليفة إلى هذا العهد ، و فيةه الإلمام ببعض من عاصرهم من الأمم المشاهر و دولهم ، مثل النبط و السريانيين و الفرس و بني اسرائيل و القبط و اليونان و الروم و الترك و الإفرنجة .
ـــ الكتاب الثالث : في أخبار البربر ، و من إليهم من زناتة ، و ذكر اوليتهم و أجيالهم ، و ما كان لهم بديار المغرب خاصة من الملك و الدول .
ـــ و مما يجدر ذكره هنا أن الكتاب الذي يعرف الآن باسم (( مقدمة ابن خلدون دد هو في حقيقة الأمر المقدمة و الكتاب الأول من كتاب العبر .
تقلب ابن خلدون بين مختلف المناصب ، و رافق السلاطين في شتى منازعهم و أطوارهم ، و شهد أحوال الأمم
و الممالك ، و ضطرب مع السياسات خائضا عبابها ، متلونا بألوان هرمها و شبابها ، و سار مع الدسائس البلاطية مدا و جزرا ، ثم اعتزل الدنيا ، و خلا إلى قلعة ابن سلامة ، يدون زبدة ما مخضته في نفسه الأيام ، و نتيجة ما وصل إليه الفكر بالتأمل و الإعتبار ، فكان كتاب (( المقدمة )) الضخم الذي عرف به ابن خلدون ، و الذي جعله من رواد الفكر العالمي ، و كانت (( المقدمة )) صورة حية للحياة الإجتماعية في مختلف البيئات التي تقلب في الرجل ، و للعصر الذي انقضت فيه حياته ، و هو عصر ، كما رأينا ، قد حفل بالهزات التاريخية العنيفة في حقلي السياسة و الفكر ، و عمته الفوضى حتى سار في طريق القهقر فيما كانت اوروبا آخذة في تسلق معارج الرقي و الحضارة .
أراد ابن خلدون أن يدون تاريخ المغرب فقدم له بنظراته الإجتماعية و الفلسفية التي شغلت المقدمة و الجزء الأول من الكتاب الذي أضيف إلى المقدمة ، و قد سلخ ابن خلدون في كتابتها خمسة أشهر ، ثم عاد عليها بعد ذلك بالتهذيب و التنقيح و الزيادة ، و كان الداعي إلى وضعها انصرافه إلى كتابة التاريخ (( التي تقتضي الرجوع إلى مآخذ متعددة و معارف متنوعة و حسن نظر و تثبت ، و هذا كله لا يكون بمجرد النقل ، بل يضاف إلى النقل معرفة أصول العادة و قواعد السياسة ، و طبيعة العمران و الأحوال في المجتمع الإنساني )) لقد شعر ابن خلدون بنقص التاريخ كما كان يفهمه المؤرخون لعهده ، إذ كانوا يقتصرون فيه على سرد الوقائع و الحوادث و الأسماء ، فأراد أن يرتفع إلى ما نسميه اليوم باقوانين التاريخية ، و هكذا لم يكتف بالسرد و الأخبار ، بل أراد أن يتفهم و يعلل ، و أن يعير جميع الظاهرات الإجتماعية ما تستحقه من الأهمية.
و من هذه النظرة السريعة على ابن خلدون و مقدمته تتجلى لنا شخصية بارزة تقرن العمل الى الفكر ، لقد عاش عيشة اضطراب و مغامرة قل من عاشها ، و في نفسيته كثيرا من الطموح و الشجاعة و الأنفة و الإستقلال الفكري ، و الظاهر أنه في مغامراته لم يتراجع أكثر من مرة عن التغرير بحياته ، و لعل شدة جسارته كانت من عوامل إخفاقه .
و الموضوعية هي الصفة الرئيسية لمقدمته ، فابن خلدون يصف الأحداث و يحاول إيجاد القوانين التي تسيرها من غير أن يظهر ميوله و آراءه الخاصة ، إلا أنه يشتم من وراء هذه الموضوعية رائحة تشاؤم قد يكون نتيجة الإخفاق في تحقيق الآمال ، و قد يكون أيضا من تأثير نظرية القدر المحتوم الذي يسير الأحداث و الذي يجعل أن معرفة الأحداث و أسبابها غير كافية للعمل على تغيير سيرها .

ابن بطوطة (( 703 ـــ 779 هــ / 1304 ـــ 1377 م ))

ابن بطوطة :

تاريخه :

هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله الطنجي المعروف بابن بطوطة و الملقب بشمس الدين ، ولد بطنجة و نشأ في كنف أهله ناعم الباب هادئ السرب ، و في سنة 1325 عن له لأن يقوم بفريضة الحج ، فقصد مكة ، و لكنه لم يقف عندها فراح يتجول من بلد إلى بلد حتى جاب أكثر العالم المعمور لذلك العهد ، ثم قفل راجعا إلى وطنه سنة 1349 م و لم يمض إلا زمن يسير حتى قام برحلة ثانية إلى اسبانية ، ثم برحلة ثالثة دامت سنتين تجول خلالها في مجاهل افريقية ، ثم عاد إلى بلاده سنة 1354 م ، فسأله أمير مراكش السلطان أبو عنان المريني ، أن يدون أخبار رحلاته فأملاها على كاتب السلطان محمد بن جزي الكلبي ، و انتهى من عمله هذا سنة 1356 م و أسماه : (( تحفة النظار في غرائب الأمصار و عجائب الأسفار )) و قد توفي ابن بطوطة سنة 779 هت /1377 م .
أدابه :

لابن بطوطة كتاب (( تحفة النظار في غرائب الأمصار و عجائب الأسفار )) و هو كتاب تحتوي قسمين ينتهي الأول منها بوصول ابن بطوطة إلى نهر السند (( بنج آب )) في آخر ذي الحجة سنة ( 734 هـ 1334 م ) و هو يحتوي رواية ما رأى الرجل و ما سمع ، و إذا به قد جاب في رحلته الأولى بلاد مراكش و الجزائر و تونس و مصر و الحجاز و فلسطين و لبنان و سورية و العراق و العجم و الأناضول و سائر بلاد العرب و الهند و ما جاورها ، و جاب في الرحلة الثانية بلاد الأندلس ، و في الرحلة الثالثة بلاد السودان مبتدئا بسجلماسة ، فبنغازي ، و إيوالاتن ، و زاغري ،
و كارسخو ، و مالي ، و تنبكتو ، و الألمانية و التركية و الهندية ، و طبعت طبعات متعددة في باريس و مصر .
قيمة الرحلة :

كتاب ابن بطوطة موسوعة معلومات جغرافية ، و قد أبدى في صاحبه من دقة في الملاحظة و مقدرة على المراقبة ، و اتساع في الآفاق ، و استقلال في الحكم ما يحمل على الإعجاب ، إلا أن من تتبع أخبار الرجل لمس في أقواله المغالاة ، و الإكثار من ذكر الغرائب ، كما عثر على عدد من الأضاليل و الأوهام ، و قد ذهب بعض النقاد إلى أن ابن بطوطة لم يصل إلى الصين ، و أن أقواله فيها مجرد تلفيق ، و مهما يكن من أمر فإن ابن بطوطة قد أضاع في رحلته الأولى ما دونه من معلومات فلا عجب إن قصر في بعض التحقيقات و هو يروي ما يروي في سذاجة و فكاهة ، و في لغة سهلة تنحط أحيانا إلى الركاكة ، و هو يعيد من المصادر الهانة لعلم الجغرافية و له الفضل الأكبر على من كتب بعد في هذا الموضع .

الشريف الإدريسي

اهتم أهل المغرب للتاريخ و الجغرافية و الرحلات كما اهتموا لسائر العلوم ، و قد شمل تاريخهم السير ، و التراجيم ، و تاريخ الملوك ،
و تاريخ البلدان و ما إلى ذلك ، و قد ضربوا في البلاد و البحار للعلم ، و الحج ، و التجارة ، و الإكتشاف ، و دونوا أخبارهم و نتائج اختباراتهم و مشاهداتهم ، و اشتهر منهم في هذا الباب : الشريف الإدريسي ، و ابن بطوطة و ابن خدون .

الشريف الإدريسي : (( 494 ـــ 562 هــ / 1100 ـــ 1166 م ))

تاريخه :

هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله الإدريسي السبتي --- ولد بسبتة او تطوان --- و قد بدأ أسفاره في السادسة عشرة من عمره ، فطاف في الأندلس ، و مصر ، و شمال إفريقة ، و تغلغل فيها ، و ساح في آسية الصغرى و درس خصائص أهل هذه البلاد و عاداتها ، كما طاف سواحل فرنسة و إنكلترة ، ثم توجه فبيل سنة 1138 م إلى صقلية بدعوة من ملكها روجر الثاني ، وقد اشتهر الإدريسي بمعرفة الهيئة ، و الجغرافية ، و الفلسفة ، و الطب ، كما اشتهر بنظم الشعر ، توفي في صقلية نحو سنة 562 هـ /1166 م .

أدبه :

وضع الإدريسي لملك صقلية خريطتين جغرافيتين للعالم الذي توصل إلى معرفته :
خريطة جدارية ، و خريطة أرضية حفرها على لوح من الفضة ، و كتب عليها ، بأحرف عربية كل ما عرفه من البلدان .
إلى جانب هذا الأثر الجليل وضع الإدريسي كتاب (( نزهة المشتاق في اختراق الآفاق )) و ضمنه شرحا مفصلا للخريطتين المذكورتين ، و قد قسم الأرض المعروفة لعهده إلى سبعة أقاليم ، او مناطق ، ثم قسم كلا من هذه الأقاليم إلى عشرة أقطار متساوية ، و وصف كل قسم وصفا دقيقا ، فبين موقعه ، و تكلم على جبالة و بحاره و أنهاره ، و على كل ما يحتويه من ماء و جماد ، و على مدنه ، و سكانه و جنسياتهم و عاداتهم و دولهم ، و ما يعيش فيه من حيوان و نبات ... إلى غير ذلك مما لف الموضوع الجغرافي لفا في دقة و واقعية و تبيين ، و قد طبع الكتاب في رومة سنة 1592 و نشر باللاتينية في باريس سنة 1619 ، و نرجم إلى الإيطالية و الفرنسية ، و عد مصدرا مهما من مصادر علم الجغرافية .

الخميس، 28 أغسطس 2008

محمد المهدي بن تومرت

محمد المهدي بن تومرت (( 485 ـــ 524 هـ / 1092 ــ 1129 م ))

هو أحد خريجي مدرسة ابن ياسين الإصلاحية ، و قد شب على طلب العلم ، و لما أكمل دراسته الأولى رحل إلى الشرق للتزيد من المعرف و فنون العلم و الأدب ، فتشبع هناك بالأفكار الحرة و المذاهب الفلسفية و الكلامية ، ثم عاد إلى بلاده و هو يدغدغ أملا واسعا في إصلاح البيئة المغربية و إنعاش الروح الإسلامية ، و ما إن بدأ بتنفيذ خطته حتى هب العلماء لحاربته ، فاتجه شطر العامة يعلمهم تارة بالبربرية و طورا بالعربية ، و ألف لهم الكتب ، فأقبلوا على دراستها و تفهمها ، و رسخ مضمونها في عقولهم ، و أصبحوا كما أرادهم ابن تومرت ، دعاة التوحيد الحق و لذلك سماهم (( الموحدين )) ، و أمه الناس فعرف كيف يستميلهم ، و أدخلهم في فرقته حتى أصبح سلطانا مطاعا ، بل ملكا صاحب دولة في قلب الدولة الشرعية ، فأثارت أعماله هذه سخط المرابطين ، و صمموا على محاربته ، و أرسلوا له أول طليعة سنة 515 هـ و قد ثابر على محاربتهم ، إلا أنه لم يشهد نتيجة مسعاه ، إذ عاجلته المنية و هو شاب ، فتوفي سنة 524 هـ / 1229 م .
لابن تومرت عظات و خطب و وصايا كثيرة

ابن تومرت من رجال الفكر العميق ، و النظر البعيد ، و البلاغة القائمة على تفهم النفسيات ، و على الحذق في تقديم البراهين التي تستهوي الشعب و تستولي على قلبه ولبه ، و قد جمع إلى ما تقدم منطقا سدسدا ، و كلاما رائعا في سلاسته و انسجامه و سهولته / قال ابن خلدون في كلامه على ابن تومرت : (( و انطوى هذا الإمام راجعا إلى المغرب بحرا متفجرا من العلم ، و شهابا واريا من الدين )) .

النثر المغربي

الخطابة :

كانت دواعي الخطابة متعددة في المغرب و لا سيما في العصور الأولى عصور الفتوحات و نشر الدين الجديد ، عصور الأحزاب السياسية ، و الخصومات القومية ، و قد اشتهر من الخطباء عدد كبير نذكر منهم طارق بن رياد ، محمداالمهدي بن تومرت ، , ابا حفص عمر بن عبد الله الأغماتي ، و أبا مدين الفاسي .

طارق بن زياد ( 101 هــ 819 م )

تاريخه :

هو قائد شهير من قواد الفتوحات العربية الإسلامية في العهد الأموي ، نسبة الإدريسي إلى قبيلة زناتة البربرية ، و قد ولاه موسى بن نصير مدينة طنجة ، و في سنة 92 هـ ، أي في زمن الخليفة الوليد بن عبد الملك ، جهزه باثني عشر ألف جندي عبر بهم البحر إلى اسبانية ، فقابلهم لذريق ملك إسبانية بجيش عظيم كثير كثير العدد وافر العدة ، فخشي طارق أن يتقهقر رجاله فبادر إلى إحرق أسطوله ليقطع لهم الأمل في الرجوع ، و ألقي فيهم خطبته المشهورة ، فاندفعوا على الإسبان اندفاع المستميت و هزموهم شر هزيمة ، و مشى طارق بن زياد في طريق فتوحاته ، و قبض على لذريق و قتله سنة 94 هـ ، و بعد ذلك استدعاه الوليد إلى دمشق حيث مات سنة 101 هـ ــ 719 م .

خطبته :

خطبة ابن زياد من النوع الحربي القتالي ، و قد توسل فيها للإقناع باللهجة الحماسية المؤثرة ، و بمتانة الأسلوب الذي يفيض نبضا ، و بشدة وقع العبارة ، و بحسن سك الألفاظ ، و بالإندفاع العاطفي ، و قد جعل جنوده في موفق حرج لا مجال فيه لإلا للموت أو الإستماتة في القتال ، و جعل نفسه مثالا حيا يتقدم صفوف المحاربين ، و خطبة ابن زياد من أروع الخطب الحربية التي عرفها التاريخ .

بيئة الأدب المغربي

الباب الأول :
بيئة الادب المغربي :
1 ــ فتح العرب للمغرب :
تم فتح العرب للمغرب في عهد يزيد بن معاوية سنة 62 هـ / 681 م على يد عقبة ابن نافع ، ففتحت طنجة أولا ، ثم سارت الجيوش العربية في بلاد البربر من بلد إلى بلد حتى بلغت المحيط الأطلنطي ، فانتشرت الفوضي في البلاد ، و عمت الفتن ، إلى أن كان عهد الوليد بن عبد المالك ، فقدم موسى بن نصير سنة 87 هـ واليا على افريقية ، و قبض على الأمور بيد من حديد و رفع لواء النظام ، و لما استتب له الأمر فكر في فتح الأندلس فكان من أمرها ما كان .
2 ــ استعراب البربر :
اعتنق سكان المغرب الإسلام ، و قد دعاهم ذلك إلى تعلم لغة القرآن ، و لما كان عهد حسان بن النعمان الغساني ، والي افريقية من قبل عبد الكك بن مروان أصبحت اللغة العربية لغة البلاد الرسمية ، زد على ذلك ان عمر بن عبد العزيز أنفذ إلى افريقية عشرة فقهاء و القراء للغرض نفسه ، و هكذا انتشرت اللغة العربية انتشارا واسعا فيما بين شعوب البربر حتة إن طارق بن زياد استطاع أن يلقي فيها ، عند فتح الأندلس ، خطابا بليغ الكلام ، متين التركيب ، و هكذا تقلص ظل اللغة البربرية شيئا فشيئا و كانت السيادة للعربية .
3 ــ الحالة السياسية و الإجتماعية و الثقافية :
أ ـــ عهد الفتوح : مرت على المغرب فترة من الزمن طويلة بعد دخول العرب إليه و هو في حالة سيئة من الوجهة السياسية و العلمية و الأدبية ، و ذلك لتعدد الفتن ، و لأن المغرب كان على جانب عظيم من الإنحطاط و الجهل .
ب ـــ عهد النهضة المغربية ( عهد الرابطين و الموحدين ) :
1 ــ ازدهار شامل : لما قامت دولة المرابطين مه عبد الله بن ياسين و امتدت أطرافها مع يوسف بن تاشفين الذي ضم أطراف المغرب ، و أنقد الأندلس من يد ألفونس السادس و قد كاد يستولي عليها ، و قرب ما بين أهل الأندلس و المغرب في ظل دولة واحدة ، كان لإحتكاك المغرب بالأندلس أثر فعال في نهضة شعوب المغرب ، فهامت بحب المعرف و الفنون ، و أصبحت مراكش التي بناها يوشف بن تاشفين
( 454 هــ ) حاضرة المغرب إذ ذاك ، و أصبح بلاطها منتدى الشعراء و الأدباء و الحكماء ، و دبت الحمية في الصدور لارتشاف مناهل العلم و الثقافة ، و كانت الحركة مباركة و إن لم تتسع آفاقها ، و مثمرة و إن لم يطل عمر الدولة القائمة عليها .
و ما إن قامت دولة الموحدين حتي تزعم المهدي بن تومرت الحركة الأدبية في المغرب العربي و هو الذي شب على طلب العلم و جد في تحصيله ، إلا أن العلماء اجتمعوا على مناهضته ، فلما يئس من إصلاحهم و مجئ الخير على أيديهم و جه همه إلى الطبقة العامة من الشعب و أخذ يدعوهم إلى الرشد ، و يعلمهم أمور الدين و يسعى في تأديبهم ، و لكنه لم ير نتيجة مسعاه و لم يفرح بالإنتصار على خصومه إذ عاجلته المنية و هو شاب في مقتبل العمر ، فخلفه رفيقه عبد المومن بن علي الكومي الذي أحاط الأمة بسياج الحكمة و التدبير ، و حقق أملها في النهوض بمواصلة السعي و العمل ، و سرعان ما دانت له البلاد بعد أن قوض دعائم الولة المرابطية ، و هكذا انتقل الحكم إلى الدولة الموحدية و قامت معها حركة تجديد و إنشاء و تعظيم في جميع مرافق الدولة و مصالح الأمة ، و قد عادت تلك الثورة الإجتماعية على المغرب العربي بالفائدة المحسوسة في حقل العلم و الأدب ، إذ نبهت الأفكار من الخمول ، و نشطت الهمم من الخمود ، مما ساعد تلك النهضة الثقافية أن الموحدين اهتموا شديد الإهتمام للترجمة و نقل الكتب ، و شجعوا العلوم ماديا و أدبيا ، و أنشأوا المدارس و المعاهد و خزائن الكتب ، و جعلوا التعليم إجباريا و استقدموا من الخارج كبار العلماء لنشر المعرف ، و رفعوا لواء الأمن و الحرية في البلاد ، و لم يقتصر عمل الموحديد على تشجيع العلوم الدينية فحسب ، بل تعداها إلى العلوم الأدبية و اللغوية و العلوم الحكمية التي انتشرت انتشارا عظيما لم تبلغه في أي عصر آخر ، حتى عد هذا العصر عصرها الذهبي في المغرب ، و قد عنيت الدولة الموحدية أيضا بعلوم الكمياء و التنجيم و الحساب و الجبر و الهندسة و التاريخ و الجغرافية .
و قد امتاز الأدب في عهد الموحدين ببساطته و خلوه من الزخرف و الصنعة ، و خلوه من السفاسف الشائعة في الأدب العربي لذاك العهد ، كما امتاز بتأثر بالطابع الديني الذي كانت عليه الدولة الموحدية .
2 ـــ علوم مختلفة : و لما تداعت أركان دولة الموحدين و تقوضت دعائمها و دب إلى جسمها الإنحلال عاجلها بنو مرين ــ و هو أعراب نزحوا من الصحراء إلى المغرب ــ و أجهزوا عليها و استولوا على البلاد ، و قد واصلت الحركة العلمية سيرها في عهدهم و شجعها أمراؤهم تشجيعا قويا ، فنزعت العلوم الشرعية منزع التبسط و التفريع ، و نبع عدد كبير من الفقهاء في هذا العصر ، و بلغت علوم اللغة و الأدب أوجها فاشتهر إذ ذاك ابن آجروم في النحو ، و ابن هانئ في اللغة ، و ابن أبي زرع و ابن خلدون في التاريخ ، و ابن بطوطة في الرحلات ، و لئن خفت صوت الفلاسفة فقد ازدهرت علوم الرياضياتو الطب و الكيمياء و الهندسة و الهيئة و ما إلى ذلك ، و اشتهر ابن البناء العدوي في الفلك و الرياضيات و أبو الحسن المراكشي في الطب ، و أبو العباس الجزنائي في الكيمياء ، و اشتهر غيرهم كثيرون و كلهم من أصل مغربي ، و قد رفعوا اسم بلادهم إلى الذروة و كانوا من أركان العلم في العالم ، أما الأدب فقد بلغ في هذا العصر كماله (( فتخلص من سائر التأثيرات الأجنبية عن النفس المغربية ، و شق لنفسه طريقا نحو الغاية المقصودة ، و هي سد حاجة تلك النفس الظامئة إلى حياة أدبية حرة تتمثل فيها عواطفها و ميولها و سجاياها و مزاياها مصورة بصورة طبق الأصل لا رثاء فيها و لا تصنع و لا ادعاء و لا تقليدا ، فبلغ تلك الغاية و أوفى عليها بمزيد التفنن و الإبداع ، و لاسيما في الشعر الذي حمل الطابع المغربي منذ هذا العصر ، فتجد الحقيقة فيه تسبق الخيال ، و الطبع يغلب التصنع ، و القصد إلى الوضوح أكثر من التعمق ، و الرقة و الجزالة و السهولة في غير ضعف و لا غرابة و لا فسولة ، و يكفي أن هذا العصر نبغ ذلك الشاعر الذي يحق أن يقال عنه إنه شاعر المغرب الأكبر ، و نعني به (( مالك بن المرحل الذي طبقت شهرته العالم العربي رغم ما مني به ادباء المغرب من خمول الذكر ، و الذي لم يسع ابن خلدون إلا أن يعترف بشاعريته على ما علم من تحفظه الشديد )) .
3 ـــ انهيار أدبي ثم نهضة مباركة : و قد أخذت الحركة الأدبية تنحط شيئا فشيئا بعد ذلك العهد ، أي عهد السعديين و عهد العلويين إلى أن كادت جذوتها تنطفئ ، و ها هي بلاد المغرب تعود اليوم إلى نهضتها الأولى و تقبل على العلم بشغف ، و ترفع لواء المعرفة عاليا ، و تريد أن تجدد الماضي و ترجع إلى مركزها المرموق في العلم و الأدب .

مادة و صورة

وهكذا فالأدب يتألف من عنصرين جوهريين متكاملين هما : المادة و الصورة ، أما المادة فكل موضوع أيا كان نوعه ، و من أي شئ كان فحواه .
أما الصورة فهي الشكل الخاص الذي يقدم فيه الموضوع و يجعله أدبا ، أجل أن الأدب ـــ شأن سلئر العلوم و الفنون ـــ هو طريقة من طرائق نقل المعرفة ، و لكنه يختلف عن البحث العلمي في كونه يجمع إلى هدف المعرفة هدفا آخر هو إحداث الرضى الفني ، فليس هنالك معرفة وحسب ، بل هنالك أيضا متعة ترافق نقل المعرفة ، أو قل هنالك طريقة خاصة لنقل تلك المعرفة نقلا يرضي القارئ و يمتعه ، و يبعث فيه إنسانا جديدا من الإنفعال و التفاعل ، و هكذا يختلف الأدب عن علوم الفلك و الإقتصاد و السياسة و التاريخ ... في كونه لا يتوجه إلى طبقة خاصة من القراء ، بل إلى الناس من حيث هم ناس ، إذ إنه ينقل الإنسان معع المعرفة ، قال وليم هنري هدسن : (( منايتنا بالأدب ترجع أولا و قبل كل شئ إلى أهمية الإنسانية العميقة الباقية ، فالكتاب يستمد مباشرة من الحياة ، و نحن نقرأه نجد بين أنفسنا و الحياة علاقات كثيرة و جديدة ، و في هذه الحقيقة نجد التفسير النهائي لما له من قوة ، فالأدب سجل حي لما رآه الناس في الحياة ، و ما خبروه منها ، و ما فكروا فيه و أحسنوا به إزاء مظاهرها التي لها عندنا جميعا أهمية مباشرة و ثابتة تفوق كل أهمية ، و هو بعد ذلك يعد ـــ بصورة اساسية ـــ تعبيرا عن الحياة وسيلته اللغة ، و إنه لمن المهم أن نفهم منذ البداية أن الأدب يعيش بفضل الحياة التي تتمثل فيه )) .
و هكذا فالأدب موضوع و حياة ، أي نفع و متعة ، و قوة المتعة منوطة بأهمية الناحية الحياتيه في الأدب ، فبمقدار ما تكون ما تكون أهمية تلك الناحية يكون عظم المتعة ، و إن (( في الصلة الوطيدة بين الأدب بين الأدب و الحياة سر ما يتضمن من متعة عند مجرد قضاء سويعات في استعراض مشاهدة ممتعة من الحياة ، بل إننا نمضي بعد الفراغ من القراءة لنناقش ما قرأناه ، و كثيرا ما نناقش أنفسنا بسبب كتاب قرأناه ، و كم من كتاب غير مجرى الحياة عند القارئ تغييرا كاملا ، و هنا يبدو ما للأدب من نفع ، حين يزيدنا فهما للحياة ، و خصوصا حين يوجه حياتنا ، و هكذا فالأدب يستمد من الحياة ليدفع الحياة و يوجهها )) . و نقل الحياة في الأدب ليس ذلك النقل (( الفوتوغرافي )) الآلي ، بل ذلك النقل الحي ، إذ يصل إلينا من خلال فهم الكاتب لتلك الحياة ، و شعوره بها ، و تفاعله معها ، إنه نقل تفسيري مثقل بتجارب الكاتب الذاتية ، و هكذا فالحقيقة الأدبية غير الحقيقة الموضوعية المجردة ، إنها الحقيقة الموضوعية مجبولة بالحقيقة الذاتية في الكاتب و منه ، إنها حقيقة الحياة يحياها الكاتب و يعبر عنها إذ يحياها و بعد أن يحياها ، و لهذا فهي ذاتية موضوعية ، أو قل موضوعية المادة ذاتية الصورة ، و لهذا نقول أيضا إن العمل الأدبي مؤلف من مادة و صورة .

حقيقة الأدب

تطور معنى الأدب :
ذهب علماء اللغة في معنى لفظة (( أدب )) مذاهب شتى ، فمنهم من قال إنه (( الظرف و حسن التناول )) و منهم من قال إنه (( عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع انواع الخطأ )) ، و يستفاذ من أقوالهم جميعا أنه خطة المحامد و سنة الفضيلة و الإستقامة ، و أن من تتبع تاريخ اللفظة عصرا بعد عصر وجد أن الجاهليين استعملوها بمعنى الخطة الأخلاقية و لاسيما تلك التي سار عليها السلف الصالح ، قال أعشى ميمون : (( جروا على أدب مني بلا نزق )) ، و استعملوها أيضا بمعنى التعليم كما يتضح من الحديث المشهور : (( أدبني فأحسن تأديبي )) ، و بعد ظهور الإسلام إلى أواخر العهد الأموي ظل للأدب هذا المجال المعنوي ، قال الحجاج في خطاب وجهه إلى أهل الكوفة : (( أسلم عليكم أمير المؤمنين فلم تردوا عليه شيئا ؟ أما و الله لأؤدبنكم غير هذا الأدب )) ، و في العهد العباسي حين بلغت الحضارة العربية أوجها امتد معنى الأدب تارة إلى مجمع المعرف البشرية ، و طورا إلى المنهج الذي يجب اتباعه في فن من الفنون أو عمل من الأعمال ، فقالوا : (( أدب الكتاب )) و (( أدب المجالسة )) و (( أدب الكسب )) ... قال كارلو نالينو : (( لا غرو أن لفظ الأدب عندهم أخذ يعدل عن معنى محض الأخلاق المحمودة ، الحاصلة من حسن تربية النفوس ، حتى صار عبارة عن كل ما وجب مراعاته و معرفته و التحلي به على من أراد مجالسة اللطفاء و الوجهاء ، و تعمد جميع أنواع التظرف في أعماله و أفكاره و حديثه )) ...
و خلاصة القول أن المراد بالأدب عند طبقات الناس ببغداد منذ ابتداء القرن الثالث (( الهجري )) إظهار الأخلاق المرضية للجلساء ، و الظرف و الأناقة في اللباس و الطعام و الشراب ، و سائر أحوال الحياة ، و الأنس و الفصاحة و عذوبة الكلام ، ثم حفظ الأبيات و النكت مع أخذ شئ من كل علم لتوشيه الحديث به ، و قد ميزوا بين الأديب و العالم فجعلوا (( الأديب من يأخذ من كل شئ أحسنه فيألفه ، و العالم من يقصد لفن من العلم فيعتلمه )) . ثم أنهم فرعوا من تلك المعاني معنى خالصا كان الأدب فيه جملة الفنون الكتابية المستظرفة ، و الأديب كل من أحسن العربية و تعاطى صناعتي النظم و النثر ببلاغة ، أما عهد النهضة فقد اشترك العرب في مفهوم الغربيين لمعنى الأدب ، و كان الأدب ذا معنييع : معنى عام و معنى خاص ، أما المعنى الخاص فهو (( عبارة عن جملة سبك في قالب ظريف ، وصيغ على نمط الإنشاء الأنيق من الكلام المنظوم و المنثور )) .

الأحد، 17 أغسطس 2008

العرب أصحاب اللغة العربية







أصلهم و غموض تاريخهمالقديم :

العرب من الشعوب السامية ، و قد طمست معالم تاريخهم القديم ، و ليس التاسع إلا بعض النقوش المكتشفة حديثا في بلاد اليمن ،

و أقدمها يرتقي إلى القرن التاسع أو الثامن قبل اليلاد ، و هي لا تطلعنا إلا على النزر من أخبار أصحابها المعنيين و السبئيين و الحميريين .
اقسامهم :

يقسم العرب إلى قسمين كبيرين : العرب البائدة و العرب الباقية :

العرب البائدة :

هو الذين درست أثارهم من مثل عاد و ثمود وطسم

و جديس ، و قد عثر لهم العلماء ، بالقرب من تيماء ، في شمالي الحجاز ، على نقوش بالخط اللحياني

و الثمودي و الصفوي ، و هي تطلعنا على أن لغة تلك الشعوب تختلف عن لغة العرب في ما وصل إلينا من آدابهم .

العرب الباقية : و هم قسمان كبيران : القحطانيون و العدنانيون :

أما القحطانيون ـــ يسمون العرب العربة لأنهم أصل العرب ـــ فينسبون إلى عرب بن قحطان ، و هم اليمنيون المعروفون بعرب الجنوب .

و أما العدنانيون :

و يسمون العرب المستعربة لأنهم وفدوا إلى الجزيرة من البلاد المجاورة و اختلطوا بأهلها فتعربوا ــ فهم النزاريون او المعديون ، و يعرف منهم الحجازيون و النجديون و الأنباط و أهل تدمر .

اختلاطم :

أن أحوالا اقتصادية و سياسية دعت بعض قبائل الجنوب إلى هجر بلادها ، و لاسيما بعد انفجار سد مأرب المشهور نحو سنة 115 ق م و اندفاع السيل العرم الذي أغرق البلاد و أتلف الزرع و الضرع ، فنزح عدد كبير من تلك القبائل إلى الشمال ، قصد بنو ثعلبة بن عمرو يثرب و كان من بينهم الأوس و الخزرج ، و نزلت خزاعة مكة و أجلت جرهما عنها ، و نزل جفنة بن عمرو و بنوه الشام و سموا غساسنة نسبة إلى ماء هناك يدعى عسانا ، و توجهت فبيلة لخم بن عدي نحو الحيرة بالعراق ، و منها نصر بن ربيعة أبو الملوك الناذرة ، و حلت طيئ في الجبلين أجأ و سلمى إلى الشمال الشرقي من يثرب ، و هكذافرقت تلك القبائل في جميع الأنحاء حتى ضرب بها المثل فقيل (( تفرقواأيدي سبأ )) و أدى ذلك إلى اختلاط شديد بين عرب الجنوب و عرب الشمال بالجوار و المصاهرة و الحروب و التجارة ، و لكن ذلك الإختلاط لم يزل ما بين الفريقين من تنافر ظل دهرا من تنافر ظل طويلا حتي بعد ظهور الإسلام .

احوالهم الإجتماعية :

كان العرب قسمين : حضرا و بدوا .

الحضر :

أما الحضر فهم سكان القسم الجنوبي من الجزيرة ، كانوا يعيشون عيشة قرار ، و تغلب عليهم الحضارة ، و كانت حضارتهم مؤسسة على التجارة و الزراعة ، و قد انصرفوا إلى الصناعات ، فاشتهرت حبرهم ، المفوفة و برودهم و سيوفهم اليمنية ، و الجلود التي افتنوا في دبغها ، و الأفاويه و العطور التي حملوها إلى جميع البلدان .

و قد انشأوا المدن و الحصون و الهياكل ، و شيدوا القصور الشاهقة كقصر غمدان الشهير ، و كانت لهم ممالك في بلادهم الجنوبية و في غير بلادهم ، من أشهر ها مملكة حمير و منها التابعة الذي انتهت دولتهم بذي نواس سنة 525 ، و مملكة المناذرة اللخميين في العراق و قاعدتهم الحيرة ، و قد ملكوا من أوائل القرن الثالث الميلاد إلى الفتح الإسلامي ، و كانوا عمالا للفرس ، اشتهر منهم النعمان الأول ( 400 ـــ 418 ) يأتي الخورنق و السدير ، و المندر الثالث ( 505 ــ 554 ) و هو المعروف بابن ماء السماء ، و عمرو بن هند (554 ــ 569 ) الذي جعل الحيرة موئل الشعراء و الأدباء ، و مملكة الغساسنة ( أولاد جفنة ) في الشام و قاعدتهم جلق ، و كانوا عمالا للروم ، اشتهر منهم الحارث الثاني الملقب بالإعراج ( 529 ــ 569 ) المنتصر على الحيرة في (( يوم حليمة )) و الذي اجتمع ببابه عدد كبير من الشعراء .

ثم مملكة كندة في نجد و قد امتد سلطانها من نحو سنة 450 إلى نحو سنو 540 م ، و من نسل الكنديين الشاعر امروؤ القيس .

البدو :

و أما البدو فهم القسم الأكبر و قد انتشروا في شمال الجزيرة العربية ، و كونت البيئة الصحراوية حالهم الإجتماعية ، فاحتقروا الصناعة و الزراعة ، و عاسوا تحت الخيام على رعي الأنعام يطع

ون من لحمها و لبنها و يكتسون بصوفها و وبرها ، و يتتبعون مواقع المطر ، من مكان إلى آخر في طلب الكلاء و الماء ، و إذا احتاجوا إلى غير ما تنجه ماشيتهم تعاملوا من طريق البدل ، فاستبدلوا بالماشية و نتاجها ما يتطلبون من تمر و لباس ، او لجأوا غلى الغزو و السلب إن عضتهم الحاجة او دعاهم طلب الثأر و التشفي .

و هم لا يخضعون لنظام غير نظام القبيلة و لا يعرفون حكومة أو مملكة في غير الأسرة و العشيرة ، فكان مجتمعهم مجتمع القبيلة و الخيمة لا مجتمع الأمة و الشعب ، و كان لكل قبيلة رئيس هو شيخها و السيد فيها ، و هو عصبها و رباط وحدتها و الحكم في شؤونها و أفراد القبيلة متضامنون بنصرون أخاهم ظالما كان أو مظلوما ، و شعور البدوي بارتباطه بقبيلته يحميها و تحميه هو المسمى بالعصبية ، و كان سلطان الأب في بيته مطلقا يتصرف في امور أهله على هواه ، و كان للمرأة أن تشارك زوجها في امور الحياة و كانت موضوع إجلال في البيت كما كانت تتمتع بحظ وافر من الحرية و الإستقلال .

معارفهم و دياناتهم :

كان العرب في البادية قبائل رحالة ليس من وسائل العمران ما يتيح لهم التبحر في علم أو التبصر في دين ، و مع ذلك فقد حصلوا من المعرف ما لا بد منه لطرق عيشهم و أساليب حياتهم و كان ذلك عن طريق التجربة و الإختبار ، فكان لهم بالحساب و الطب و البيطرة كما كان لعرب الجنوب فوق ذلك معرفة بهندسة البناء ، و عمارة المدن و أساليب الزراعة و الصناعة ، و كان لهم معرفة بما يعينهم في بواديهم المقفرة و مجاهلهم المظلة ، و بما تصلح به أنفسهم و أنعامهم من استطلاع خفايا الجو و ألموا بعلم النجوم و اشتهروا بمعرفة الأنساب و الأخبار و وصف الأرض ، و الفراسة و اليافة و القيافة ، و الكهانة و العرافة ، و زجر الطير و غير ذلك .

أما دينهم ، فقد كان في الجاهلية من دان باليهودية و لا سيما في اليمن و مدينتي يثرب و خيبر ، و من دان بالنصرانية التي انتشرت فيما بين مناذرة الحيرة و غساسنة الشام و اليمن حيث توثقت في نجران ، و قد اختلف رهبانها إلى أنحاء فلسطين و شبه جزيرة سيناء و إلى أقصى الصحراء ، و فيما عدا ذلك فقد كان معظم العرب يدينون بالوثنية ، و كانت ديانتهم بدائية و خيالية من الميثولوجيا و اللاهوت ، ترتكز في أول عهدها على تقديس الحجارة و المغاور و الينابيع و الأشجار لاعتقاد العرب أن في تلك الأشياء المادية أرواحا ، و قد ألهوا جميع القوى التي لحظوها في الطبيعة ، كما أن نظرهم امتد إلى السماء فالهموا كواكبها حتى كان القمر محور الإعتقادات الفلكية الدينية الأولى لدى البدوي .

و فوق هذه الآلهة كلها كان للعرب ثلاث إلاهات هي مناة إلاهة الحظالتي عبدت في مكة و في قبيلة هذيل خصوصا ، ثم الآت كانت تدعى (( الربة )) و تبعد في الطائف ، و العزى ممثلة التي عبدت خصوصا في قريش ، و مان العرب بنحتون لآلهتهم أصناما من الحجارة تسمى انصابا ، كما كانوا يعبدون الحجر الأسود فى مكة و يجعلون فوقه الأصنام فوقه الأصنام المختلفة ، و كان للأنباط معبود شهير اسمه ذو الشرى ، و هو المعبود الأكبر اتخذوا له صنما حجرا أسود مكعبا .

و كان للعرب إلى جانب هذه الآلهة كاها و فوقها جميعا إله يعدونه خالق العالم ، و اسمه (( الله )) كما يعدونه بعيدا عنهم فيلجؤون إلى ما هو قريب منهم و محسوس ، من القوى الطبيعية ، و فكرة هذا الآله قديمة جدا عندهم قد تكون آتتهم من من أصلهم السامي .

غلا أن البداوة كان ضعيف العاطفة الدينية ، لا يقيم كبير وزن لما يختص بالدين ، و لهذا خلت آدب العرب إلى حد كبير من وصف ما كانوا يعبدون .

اخلاقهم :

كانت أخلاق العرب و لاسيما البدو منهم وليدة الصحراء و الحالة البدائية فالبادية التي كانت حصن البدوي و معتصمه دون هجمات الطامعين و الفاتحيف علمته أن يكون طليقا ينزع أبدا إلى الحرية و الإستقلال و لا يطأطئ راسه أمام نير أجنبي ، كما لا تخضع لقانون أو نظام .

و عيشة البدوي القشفة علمته أن يكون قنوعا ، صبورا على الشقاء و العناء ، كما علمته أن يستسلم للإنكماش في أحايين كثيرة فلا يسعى في تحسين حاله إصلاح بيئته و معيشته .

و عزلة البدوي أنمت فيه الروح الفردية فتعذر عليه أن يرفع مستواه إلى مصاف الإنسان الإجتماعي المعروف بنزعته الأممية ، و أبعدته تلك الروح عن الإخلاص لما فيه خير المجموع خارجا عن نطاق القبيلة .

ثم أن الأخطار المحدقة بحياة الصحراء علمت البدوي أن يكون شجاعا ، فهو أبدا غاز أو مغزو أو معرض لأحدى الحالتين ، و هو أبدا في قتال مع الأعداء من الناس و الحيوان و عوامل الطبيعة القاسية ، عصمته سيفه ، و حصنه ظهر جواده ، و عدته الصبر ، و أكثر ما تتجلي شجاعته في النزال و الدفاع و النجدة ...

و مع ما كان للبدوي من حسبان البادية ميدانا للفوضى و العبث ، فقد حافظ على فكرة الضيافة و الكرم ، يبعث عليها حرصة على جميل الذكر و تحصيل المحمدة و الرغبة في أن يعامل بالمثل ، في بلاد كثيرة المخاطر و المجاهل . و يتجلى كرمه خصوصا في إيقاد النيران و نحر الجزور و إضافة اللاجئ ، و كان في نفس البدوي إلى جنب الكرم كثير من الوفاء تبعث عليه المروءة و عزة النفس ، و قد تسوق البدوي عقيدته بالوفاء إلى بعث الحرب و بذل الأعز محافظة على قريب او جار أو مستجير .

زد على ذلك كله ما كان للبدوي من إباء للضيم ، و حرص على الحق إلى جنب استحلال القوي لغضب ، تحصل على صورة مصغرة للبدوي في ميدانه الفسيح و مسرحه الجاف المذيب .

السبت، 16 أغسطس 2008

اللغة العربية



ظهرت اللغة العربية في البلاد التي تمتد بين البحر الأحمر و المحيط الهندي ، و خليج فارس ، و خط وهمي يتجه شرقا من رأس خليج العقبة حتي الفرات ، و تسمى تلك البلاد شبه جزيرة العرب ، كما تسمى الجزيرة العربية توسعا .
سطح شبه جزيرة العرب و جوه :
شبه جزيرة العرب بلاد أكثرها صحاري و دارات ، و هي أعلى ما تكون غربا ثم تنحدر إلى الشرق إلا عند عمان ، و تقع في المنطقة الحارة ، فلا يحسن مناخها إلا على الهضاب المرتفعة ، و لا يعكر صفاء جوها إلا بعض غيوم تأتي بأمطار موسمية لا تسقط إلا في أمكنة قليلة كاليمن ، و كثيرا ما تنتابها مواسم جفاف في أماكن شتى ، و ليس في شبه الجزيرة نهر واحد دائم الجريان ، و لكن هناك شبكة من الأودية تجري فيها السيول حين تفيض مياه الأمطار ، و قد يحتال الناس على بعض تلك الأودية بسدود تحبس المياه و تخزنها لأوقات الحاجة .
اما الرياح فمنها الشرقية اللطيفة في شمال البلاد و تدعى الصبا، و منها الغربية التي تحمل الأمطار من البحر الأبيض المتوسط ، و منها الجنوبية و هي مطيرة شتاء و حارة صيفا ، و منها السموم ، و هي شر ريح ، تأتي موسمية و يعرفها العرب برائحتها الكبريتية ، تهب وسط الصحراء و تسلب رطوبة الهواء ، و تتلف كل ما تمر به .
اقسامه :
يقسم شبه جزيرة العرب إلى عدة أقسام : منها اليمن ، بلاد اليمن و مهد الحضارة العربية القديمة ، و يضاف إليها حضرموت بلد التجار ، و عمان بلد الملاحة ، و من أشهر مدن اليمن : نجران و صنعاء موطن الأنسجة المطرزة و البرود و السيوف ، و ظفار بلد الطيب و البخور ، و مأرب المشهورة بسدها ، و شمالي اليمن إلى الغرب الحجاز و من مدنه مكة أم القرى و فيها بئر زمزم و الحجر الأسود و من أماكنها المشهورة الصفا و المروة و هما بلحف جبل أبي قيس ، و وادي منى و جبل عرفة و من مدنه أيضا يثرب ( المدينة المنورة ) و بين اليمن جنوبا و الحجاز شمالا تهامة على البحر الأحمر ، و بين الحجاز غربا الشام شمالا و الععراق شرقا بلاد نجد المشهورة بخيولها و طيب هوائها ، و الى جنوبيها اليمامة و إلى شرقيها الجنوبي البحرين بلد التمر و مغاصات اللؤلؤ .
و أكبر جزء من الجزيرة صحراؤها في الوسط ( النفود فالدهناء فالربه الخالي ) و هي قفار ذات رمال بيضاء أو محمرة تسفيها الرياح فتجعل منها كتبانا ، تغيثها السماء أحيانا بالمطر ( الغيث ) فيرتادها البدو بماشيتهم و لا يرحلون عنها إلا و قد نضبت موارواحاتها و مراعيها .

حيوانه و نباته :

(( البدوي و الجمل و النخل و الصحراء أشخاص التمثيل على مسرح الحياة في البادية )) .
-- اما الجمل فهو (( سفينة الصحراء )) و هم هبة الله )) و منه البعير حامل الأثقال ، و من الدلول أو الهجان حامل الناس ، و الجمل رفيق البدوي لا تصلح الصحراء بدونه ، يتغدى البدوي بلحمه و لبنه ، و يعينه على الرحيل من مكان إلى مكان ، و تحاك الخيمة من وبره .
-- و أما النخلة فثمرها أطيب الثمار و أعمها في البادية ، و هو و اللبن قوام طعام البدوي ، و منه يستخرج نبيذ لذيذ .
و في الجزيرة حيوانات أخرى داجنة كالفرس و الحمار و البغل و الشاء و الكلب و غير داجنة كاضبع و الذئب و الأفاعي و بقر الوحش و ما أشبه ، و طيور كالنعام و العقاب و القطا و الحباري ، و هنالك الجراد الذي يصلحه البدوي طعاما شهيا .