الخميس، 28 أغسطس 2008

مادة و صورة

وهكذا فالأدب يتألف من عنصرين جوهريين متكاملين هما : المادة و الصورة ، أما المادة فكل موضوع أيا كان نوعه ، و من أي شئ كان فحواه .
أما الصورة فهي الشكل الخاص الذي يقدم فيه الموضوع و يجعله أدبا ، أجل أن الأدب ـــ شأن سلئر العلوم و الفنون ـــ هو طريقة من طرائق نقل المعرفة ، و لكنه يختلف عن البحث العلمي في كونه يجمع إلى هدف المعرفة هدفا آخر هو إحداث الرضى الفني ، فليس هنالك معرفة وحسب ، بل هنالك أيضا متعة ترافق نقل المعرفة ، أو قل هنالك طريقة خاصة لنقل تلك المعرفة نقلا يرضي القارئ و يمتعه ، و يبعث فيه إنسانا جديدا من الإنفعال و التفاعل ، و هكذا يختلف الأدب عن علوم الفلك و الإقتصاد و السياسة و التاريخ ... في كونه لا يتوجه إلى طبقة خاصة من القراء ، بل إلى الناس من حيث هم ناس ، إذ إنه ينقل الإنسان معع المعرفة ، قال وليم هنري هدسن : (( منايتنا بالأدب ترجع أولا و قبل كل شئ إلى أهمية الإنسانية العميقة الباقية ، فالكتاب يستمد مباشرة من الحياة ، و نحن نقرأه نجد بين أنفسنا و الحياة علاقات كثيرة و جديدة ، و في هذه الحقيقة نجد التفسير النهائي لما له من قوة ، فالأدب سجل حي لما رآه الناس في الحياة ، و ما خبروه منها ، و ما فكروا فيه و أحسنوا به إزاء مظاهرها التي لها عندنا جميعا أهمية مباشرة و ثابتة تفوق كل أهمية ، و هو بعد ذلك يعد ـــ بصورة اساسية ـــ تعبيرا عن الحياة وسيلته اللغة ، و إنه لمن المهم أن نفهم منذ البداية أن الأدب يعيش بفضل الحياة التي تتمثل فيه )) .
و هكذا فالأدب موضوع و حياة ، أي نفع و متعة ، و قوة المتعة منوطة بأهمية الناحية الحياتيه في الأدب ، فبمقدار ما تكون ما تكون أهمية تلك الناحية يكون عظم المتعة ، و إن (( في الصلة الوطيدة بين الأدب بين الأدب و الحياة سر ما يتضمن من متعة عند مجرد قضاء سويعات في استعراض مشاهدة ممتعة من الحياة ، بل إننا نمضي بعد الفراغ من القراءة لنناقش ما قرأناه ، و كثيرا ما نناقش أنفسنا بسبب كتاب قرأناه ، و كم من كتاب غير مجرى الحياة عند القارئ تغييرا كاملا ، و هنا يبدو ما للأدب من نفع ، حين يزيدنا فهما للحياة ، و خصوصا حين يوجه حياتنا ، و هكذا فالأدب يستمد من الحياة ليدفع الحياة و يوجهها )) . و نقل الحياة في الأدب ليس ذلك النقل (( الفوتوغرافي )) الآلي ، بل ذلك النقل الحي ، إذ يصل إلينا من خلال فهم الكاتب لتلك الحياة ، و شعوره بها ، و تفاعله معها ، إنه نقل تفسيري مثقل بتجارب الكاتب الذاتية ، و هكذا فالحقيقة الأدبية غير الحقيقة الموضوعية المجردة ، إنها الحقيقة الموضوعية مجبولة بالحقيقة الذاتية في الكاتب و منه ، إنها حقيقة الحياة يحياها الكاتب و يعبر عنها إذ يحياها و بعد أن يحياها ، و لهذا فهي ذاتية موضوعية ، أو قل موضوعية المادة ذاتية الصورة ، و لهذا نقول أيضا إن العمل الأدبي مؤلف من مادة و صورة .

ليست هناك تعليقات: