الخميس، 4 سبتمبر 2008

المعتمد بن عباد

المعتمد بن عباد
تاريخه :
كان بنو عباد من ملوك الطوائف في الأندلس ، تولوا حكم إشبيلية من سنة 1031 إلى سنة 1091 م و قد لأسس دولتهم أبو القاسم محمد بن عباد السوري الأصل ، و كان آخرهم المعتمد بن عباد أمير اشبيلية ( 1068 ـــ 1091 ) .
و لد المعتمد بن عباد سنة 1040 م و شب في بلاط أبيه على رخاء في العيش و حب للمغامرة و في سنة 1058
و جهه أبوه المعتضد على راس أحد جيوشه لإفتتاح مالقة ، فسار إليها في نشوة الشراب و اللهو و لم يجد إلا صدا
و هزيمة ، و في سنة 1064 جعله أبي بكر ابن عمار صداقة لا تخلو من ريبة ، و انصرف معه إلى السكر و العربدة ، مما أثار حفيظة أبيه و مما حمله على إبعاد ابن عمار .
و في سنة 1068 اعتلى عرش أبيه و استقدم ابن عمار و وله على شلب ، ثم إنه تزوج من جارية استطاعت أن تجيز شطر بيت ارتجله ،
و كان قد سأل صاحبه الشاعر ابن عمار أن يجيزه فلم يستطع ، فأجازته هي على البديهة و هي تغسل في الهر ، و تمنت يوما أن تعجن الطين برجليها فنثر لها الكافور و العنبر على الحصباء و صنع لها منها طينا تطأه رجلاها .
و كان ابن عباد شاعرا عبقريا ينظم الشعر ، و قد حاول أن يجعل حياته كلها قصيدة من قصائد الشعر المترف ، و أن يجعل بلاطه موئل الشعراء ، و قد انظم إليه شعراء الأندلس و افريقية و صقيلية و لا سيما عندما غزا النورمان بلادهم
و استولوا على بعضها .
و كان المعتمد رجل حرب افتتح المدائن ، و دك الحصون ، و قد امتلك قرطبة و امتد سلطانه إلى مرسية ، عندما عليه أمر الأدفنش (( الفونس السادس )) ملك قشتالة استنجد بيوسف المرابطي ابن تاشفين صاحب مراكش ، و خاض معه معركة الزلاقة سنة 1086 ، و خرج منها ظافرا ، و لكن يوسف لم يلبت أن خانه و عمل سرا على الإستئثار بالملك في بلاد الأندلس ، فأثار الفتن على المعتمد و فتح قرطبة و اشبيلية ، فانهزم الملك الشاعر ثم أسر و حمل مع ذويه إلى أغمات قرب مراكش عند سفح جبال الأطلس ، فأقام في أسره يندب الحظ و يصف أيامه الماضية و الحاضرة في شعر كان عصارة نفسه و لسان وجدانه ، حتى وافاه الأجل في دور اتخذت له من طين تحت أغصان النخيل ، و ذلك سنة 488 هــ / 1095 م .
ان عباد شاعر الوجدان :
كان ابن عباد شاعر الترف و الرخاء قبل أسره ، و شاعر الألم و الذكرى بعده ، كان كأبي فراس من سليلة حل الشعر في صدر كل واحد من أفرادها ، و كان كل واحد منهم سيد السيف و القلم ، و نظم الشعر كأبي فراس منذ حداثة سنه ،
و لكنه اختلف عنه في تطلب اللهو إلى حد الإسراف ، و في حياة المجون التي تسربت إلى شعره فملأته خمرا و موسيقى و طربا .
و أسر ابن عباد كأبي فراس ، و اقتيد أولا إلى طنجة ثم إلى أغمات حيث ضاقت به الحال و اضطرت بناته إلى كسب العيش يعمل أيديهن ، و حيث توالت عليه النكبات و المحن ، و حيث أخيرا عاش أربع سنوات في مذلة الفقر ، و فقر المذلة ، يستوحي آلامه شعرا كان حكاية حاله و صورة لآلامه و أماله .
و كانت آلام ابن عباد شديدة الوطأة على نفسه ، و قد امزلته من برجه العالي إلى حقيقة الحياة ، و مرغت قلبه بتراب الوجود ، فبكى بعد غيبوبة النشوة ، و تململ على فراش الحزن بعد لين المسرة ، و جر قيده ذليلا بعد أن كان على رأسه تاج الملك ، و أبصر بناته يمشين حافيات على قسوة الأرض بعد أن مشين على المسك و الكافور ، و يغزلن للناس للحصول على لقمة العيش ، و فقد زوجه و ولديه و تشبتت حوله شمل الأصحاب بعد أن كان نقطة الدائرة و محط الآمال و الأبصار .
و راح في حزنه يتأمل و يعتبر و يخرج من تأمله حكيما يفقه زوال الدنيا و سراب الوجود ، و راح يقارن بين الماضي
و الحاضر ، و إذا في نفسه صراع ينسيه الحقائق التي جنى ثمارها من التأمل و الإعتبار ، و إذا الصراع يتحول إلى سخط على الدهر الذي يحارب الصالحين ، و إلى كآبة شديدة تحيي فيه الذكريات ، و تزجه في عالم الفرحة السالفة في يأس يهون معه الموت الزؤام .
و راح في حزنه ينظر إلى الذاهبين و الباقين من ذويه ، و يتقلب بين دمعة الرثاء و جرح البقاء ، في لوعة بثت شعره حرارة اللهات المحترق و سكبت على قوافيه عالما من الأشجان ، و هو أبدأ صادق الإنفعال ، صادق التصور ،
و شعره أبدا تعبير حي عن واقع حالته .
و هكذا فوجدانية أبن عباد هي وجدانية النفس السهلة اللينة التي تنصب على واقعها و واقع أحوالها الحياتية ، و تعالج آمالها يالتنهد الحرى ، و الزفرة العميقة ، و الإرنان الطويل ، فليس هنالك تعقد و لا تعقيد ، و ليس هنالك نظرات إنسانية بعيدة المرامي ، و إنما هنالك إخلاص في العاطفة ، و صدق في التجربة ، و حكاية حال حافلة بالإنكسار النفساني . و الذهول الآسف المتألم .
هكذا يبدو لنا ابن عباد اشد تركزا شعريا و عاطفيا من أبي فراس ، و أن في ذكرياته الفخرية ما يجعلها أقرب إلى النفس و أفعل في القلب من ذكريات أبي فراس .

ليست هناك تعليقات: