الخميس، 4 سبتمبر 2008

ابن زيدون



ابن ريدون ( 394 ــ463 هــ / 1003 ـــ 1071 م )

تاريخه :

هو ابو الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون ، ولد بقرطبة في بيت شرف وفقه و أدب ، و نشأ مكبا على العلم و ارتشاف مناهل الثقافة ، و قد تخرج في ذلك على أبيه الفقيه الكبير ، و على صديق أبيه أبي العباس بن ذكوان عالم قرطبة الأول في عصره ، و تخرج في النحو و الأدب و اللغة على أبي بكر مسلم بن أحمد ، ثم تردد على علماء الجامعة الكبيرة في قرطبة ، و أخذ عنهم الشئ الكثير في مختلف نواحي الثقافة ، حتي اصبح بعد زمن قصير علما من أعلام الفكر و الأدب ، و في تلك الأثناء شبت الفتنة الكبرى التي انتهت بسقوط الأمويين و قيام دولة بني جهور ، فتقرب ابن زيدون من مؤسسها ابن الحزم بن جهور فلقبه (( بذي الوزارتين )) ثم اتصل بالخليفة المستكفي و علق بنته (( ولادة )) و هام في حبها إلى حد بعيد جدا ، و كان المستكفي ـــ على حد قول ابن حيان ـــ (( مجبولا عن الجهالة )) ، عاطلا من كل خلة تدل على فضيلة ... معروفا بالتخلف و الركاكة ، مشتهرا بالشرب و البطالة ، سقيم السر و العلانية ، اسير الشهوة ، عاهر الخلوة ، و كانت ابنته ولادة من أهل الأدب و الشعر و الموسيقى ، و لما توفي والدها سنة 1025 م فتحت بيتها للأدباء و الشعراء ، قال ابن بسام (( و كان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار المصر ، و فناؤها ملعبا لجياد النظم و النثر ، يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها ، و يتهالك أفراد الشعراء و الكتاب على حلاوة عشرتها ، إلى سهولة حجابها ، و كثرة منتابها ... على أنها ـــ سمه الله لها و تغمد زللها ــــ اطرحت التحصيل ، و أوجدت إلى القول فيها السبيل ، بقلة مبالاتها ، و مجاراتها بلذتها )) .

علق ابن زيدون ولادة و علقته ، و قضيا ردحا من الزمن في عيشة استهتار و مجون إلى أن كان يوم تبدلت فيه الأحوال و تبدلت فيه ولادة لعشيقها ، و قد يكون السبب في ذلك أن ابن زيدون وقع في هوى إحدى جواري ولادة أو أنه انتقد أحد ابياتها الشعرية ، فمالت عنه لذلك كل الميل ، و وقعت في هوى الوزير أبي عامر بن عبدوس ، و راح لبن زيدون يتوسل بغير جدوى ، و ينظم الشعر مهددا ابن عبدوس ، شاكيا إلى ولادة تباريح الهوى ، و كتب إلى ابن عبدوس رسالى عرفت (( بالرسالة الهزلية )) سخر فيها منه على لسان حبيبته ، فلم يلبث الوزير ان عمل على سجن الشاعر ، فراح ابن زيدون في سجنه يكتب الشعر مسترحما ، و راح يكتب إلى أبي الحزم رسالته المعروفة (( الرسالة الجدية )) مستعطفا ، و لكنه لم يجد اذنا تصغي و قلبا يرحم ، فصمم إذ ذاك على الهرب من السجن ، ففر ليلة عيد الأضحى و ظل متخفيا عن الأنظار إلى أن عفا عنه أبو الحزم ، و لما خرج من السجن بعث إلى ولادة بقصيدته المشهورة :

أضحى التنائي بديلا من تدانينا و ناب عن طيب لقيانا تجافينا

و لما توفي أبو الحزم سنة 1043 م اتصل الشاعر بابنه ابي الوليد و لقي لديه حظوة كبرى ، و ارتفع عنده إلى مرتبة الوزارة ، ثم اتخذه ابو الوليد سفيرا بينه و بين ملوك الطوائف ، فراح يتقلب من بلد إلى بلد و هو أبدا متشوق إلى قرطبة بنظم الشعر في حنان و لهفة ، و هو أبدا اسير حب ولادة و أسير الكأس و الليالي الساهرات ، و أخيرا اتصل ابن زيدون ببلاط بني عباد في اشبيلية ثم في قرطبة فجعله المعتضد وزيرا له ، و لما توفي المعتضد زاد ابنه المعتمد في تكريم الشاعر ، و جعله نديم شرابه و رفيق لهواه و حياته ، فقام الحساد ينفسون عليه تلك المكانة و يسعون في ابعاده ، و لما شبت ثورة إشبيلية على اليهود ، وجدوا سانحتهم المنتظرة فأشاروا على المعتمد أن يرسل ابن زيدون لإخماد نار الثورة ففعل و هكذا أقصي الشاعر و انتقل إلى اشبيلية حيث ثقل عليه المرض و توفي سنة 1071 م .

ادبه :

لأبن زيدون مجموعة رسلئل أتينا على ذكرها فيما سبق ، و له ديوان شعر طبع في مصر و فيه شتى الأغراض الشعرية المعهودة .

ابن زيدون في غزله :

الغزل عند ابن زيدون حاجة في النفس يلبي نداءها ، و ميل جامح يسير في ركابه ، و ثورة في القلب يندفع في تيارها ، فهو رجل المرأة الغوية يهواها إلى حد الجنون و المرض ، و يريدها أبدا طوع هواه ، و يوجه نحوها جميع قواه ، في ترف أندلسي ، و جماح نواسي ، و قد عانى من جراء الحب ألوانا من الألم و اللوعة ، و قاسى في سبيل المرأة أمر العذاب ، فوجدها رفيقة حياة ، و سبب مسرات ، كما وجدها موئل غدر ، و عالم تقلب و خيانة ، و لقي في كأس هواها ألف مرارة و مرارة ، فراح يسكب نفسه حسرات ، و يعصر قلبه و يرسله تأوهات و زفرات ، و إذا قصائده مزيج من شوق ، و ذكرى ، و ألم ، و أمل ، و إذا الأقوال منثورة مع كل نسيم ، مرددة كل صدى ، و إذا كل كلمة رسالة حب و غرام ، و كل لفظة لوعة و انطلاقة سهام ، و هكذا كان غزل ابن زيدون روحا متململا ، و كيانا تتقاذفه الأمواج ، و هكذا كان شعره كلام العاطفة و الوجدان ، و في عذوبة تتماوج على أعطافها موسيقى هي السحر الحلال ، موسيقى تنام على أوثارها الدهور و يغفو بين حناياها الجمال و النور ، و هكذا كانت ألفاظه سهولة تنمو في أجواء الطبيعة الزاهية ، و تمتزج بها امتزاج ألأرواح بالأرواح ، و إذا كل شئ في القصيدة حي نابض ، و إذا كل شئ رونق و جمال ، و كل شئ حلقة نورانية بين الذكرى و الآمال .

و من جميل غزله قوله :

ا ضر لو أنك لي راحــــــــــــم و علتي أنت بها عالــــــــــــــــــــــم

يهنيك ، يا سؤلي و يا بغيتـــــى أنك مما اشتكي سالـــــــــــــــــــــــم

تضحك في الحب ، و أبكي أنــا الله فيما بيننا حاكـــــــــــــــــــــــــــم

أقول لما طار عني الكـــــــــــرى قول معني قلبه هائـــــــــــــــــــــــــم

يا نائما أيقظني حبــــــــــــــــــــه هب لي رقاد أيها النائــــــــــــــــــــم

هكذا كان ابن زيدون ساعر الأندلس و بلبلها الغريد ، و هكذا كان شاعر العبقرية التي تعطي النفس من خلال الطبيعة التي تصف ، و تعصر القلب في كؤوس الحب التي ترتشف ، و تصعد الزفرات و الآمال أنغام سحر و روعة ، (( تعتصر اللغة و تستخرج منها كل ممكناتها الموسيقية لتشدو ألحانها المشجية التي ملكت على العرب ألبانهم في عصورهم القديمة و الحديثة ، حتي جعلت كبار شعرائهم من همهم أن يعارضوا بعض قصيده ، كي يظفروا ببعض أنغامه ، ... و ليس روم الأندلس و حدهم هم الذين أخذوا عنه لوعة فؤاده و عمق عشقه ، بل أخذهما أيضا في جنوب فرنسا جماعة التروبادور الذين ثأتروا فيما بعد أصحاب الموشحات و الأزجال من ألأندلسيين ، فعمله أو بعبارة أدق غزله كان واسع التأثير بما فيه من عمق الهوى و عذاب الحب و حرقة العشق )) .

ليست هناك تعليقات: